لولا المملكة العربية السعودية لما استطاعت اليابان أن تحقق معجزتها التنموية بعد الحرب العالمية الثانية، فإمدادات النفط المستقرة كانت أحد أهم عوامل النهضة الاقتصادية لليابان. هذه الكلمات لصديقي نائب وزير الاقتصاد والصناعة والتجارة الياباني الأسبق السيد ماشيكو توريهيكو والتي قالها خلال زيارة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى اليابان والتي تشرفت بأن أكون من ضمن وفد الكتاب والإعلاميين المرافق فيها. مقالة اليوم تهدف للإجابة عن سؤال مهم: كيف يمكن أن ننقل التقنية من اليابان إلى السعودية؟ بداية نعلم أن اليابان ثالث الإمبراطوريات الاقتصادية في العالم، وبلد يعتمد على المملكة فيما يقارب 30% من احتياجاته النفطية. ومن أهم مصادر القوة التي تمتلكها اليابان حالياً ويخدم أهدافنا في رؤية السعودية 2030م مقارنة بأنواع القوة الأخرى هي القوة العلمية التكنولوجية والتي يمكن نقلها وتوطينها في المملكة عبر الوسائل التالية: ١) استحداث ملحقية سعودية للعلوم والتكنولوجيا: تعتمد الدول الصناعية والصاعدة وظيفة دبلوماسية مهمة يطلق عليها (ملحق العلوم والتكنولوجيا Science and Technology Attaché) تتلخص مهامه في رصد أهم التطورات التقنية في البلد المضيف ومحاولة ربط مراكز الأبحاث في الجامعات والشركات. وتمتلك دول الاتحاد الأوروبي مجلساً لملحقي العلوم والتقنية في اليابان. ٢) الاستثمار في الشركات الناشئة اليابانية القائمة على التقنية: من الجيد أن نرى الاستثمارات السعودية الحكومية تحاول الاستحواذ على حصص مختلفة في شركات عالمية بما يمكن أن يحقق أرباحا مادية. ولكن وفي الوقت نفسه من المهم ألا تكون جميع استثماراتنا قائمة على مبادئ ماجستير إدارة الأعمال (MBA) بل ماجستير إدارة التقنية (MOT) أيضاً بحيث نحاول الاستحواذ على الشركات الناشئة والتي تمتلك تقنيات يمكن أن تخدم الصناعات والاقتصاد السعودي. ٣) تعزير التعاون الصناعي الأكاديمي: نحتاج أن نعزز العلاقات بين الشركات اليابانية والجامعات السعودية. وهنالك الأودية التقنية دور مهم في هذا الصدد كما حصل من بناء شركة يوكوجاوا دينكي اليابانية مركز أبحاث بوادي الظهران للتقنية وتعاون شركة هيتاتشي في أبحاث تحلية المياه مع جامعة الملك عبد العزيز بالإضافة لبرامج التدريب التي تقدمها شركات يابانية مثل جي جي سي وتشيودا كاكو لطلاب الجامعات السعودية. ٤) معاهد التعليم الفني والتدريب المهني: لدينا ثلاث تجارب جيدة مع اليابان في المعهد السعودي الياباني العالي للسيارات، معهد الصناعات البلاستيكية ومعهد صيانة المعدات المنزلية والتي تخرج أجيالا من الفنيين السعوديين على مناهج التعليم الفني اليابانية بما يتوافق ومتطلبات سوق العمل. في المرحلة القادمة نحتاج للتركيز أكثر على هذا المجال ليكون الخريجون بما يتناسب واحتياجات سوق العمل. ٥) ابتعاث الطلبة السعوديين لدراسة البكالوريوس في التخصصات الهندسية: وجود الموارد البشرية السعودية المتدربة والمؤهلة والتسويق لها سيدعم عملية استقطاب الاستثمارات اليابانية للمملكة. ٦) شروط توطين الصناعة في عقود الاستثمار: وهذا ما تطبقه شركة أرامكو بكل اقتدار في إلزام الشركات اليابانية بتقديم نسبة من المنتجات والمكونات من الصناعات المحلية. هذا سيجبر الشركات اليابانية على إنشاء مصانع لها بالمملكة تنقل التقنيات وتخلق الوظائف لشبابنا. وهنالك نقطة مهمة وهي تطبيق ما ذكرته أعلاه على بقية الدول التي نريد استهدافها وفق ما يتناسب مع كل دولة وخاصة الصين وكوريا والهند. وأخيراً يقول الإداري الياباني إينابا سيئويمون: هنالك تاريخ للتكنولوجيا، ولكن ليس هنالك ماض للتقنيين والمهندسين فهؤلاء مهمتهم هي أن يبتكروا ويصنعوا المستقبل!. نعم، مهمتنا جميعا هي صناعة المستقبل السعودي لتأتي الأجيال من بعدنا وتذكر هذا الجيل الذي صنع معجزة النهضة الاقتصادية السعودية القادمة بإذن الله.