أصبحت المشروعات الصغيرة والمتوسطة محور اهتمام الحكومات لما تحققه من زيادة في حجم الإنتاج؛ وخلق الفرص الوظيفية؛ وتحقيق التنوع الأمثل الذي تبحث عنه الدول في دعم اقتصادياتها؛ وتحقيق معدلات نمو جيدة؛ وتوفير قاعدة ضريبية يمكن أن تزيد من حجم الدخل الحكومي. نجاح بعض الدول الصناعية في تفعيل دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورفع حجم مشاركتها إلى ما يزيد عن 95 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي حفز الدول الناشئة أن تحذو حذوها؛ وأن تستنسخ تجربتها في عمليات الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة. تعتبر اليابان من أكثر الدول اهتماماً بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ حيث تشكل قاعدة الإنتاج الأولى لديها؛ والأكثر خلقاً للوظائف وإحتضاناً للمبدعين والمبتكرين. وبالنظر لقطاعات الإنتاج اليابانية نجد أن تميز الشركات الكبرى فيها أرتبط بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تشكل مخرجاتها المتنوعة مدخلات الإنتاج لديها. فشركة تويتا على سبيل المثال لا الحصر تعتمد في إنتاجها على منظومة متكاملة من المنشآت الصغيرة؛ التي تعتبر جزءاً رئيس من عمليات الإنتاج النهائية. وبالتالي فكل شركة يابانية كبرى لابد أن يكون تحتها مجموعة كبيرة من المنشآت الصغيرة تشكل فيما بينها سلسلة إنتاج مترابطة. لم يعد إنتاج الشركات الصغيرة التقليدي سائداً في الوقت الحالي؛ حيث حيث أصبح رواد الأعمال يركزون بشكل أكبر على الإبداع والابتكار وتحويل الأفكار إلى منتجات واختراعات تحقق لهم الثروات الطائلة. وبالرغم من أهمية أفكارهم وإختراعاتهم الإبداعية إلا أنها أيضاً في حاجة إلى إحتضان الشركات الكبرى لها؛ وتوفير التمويل والتوجيه والتسويق الذي لا يمكن لرواد الأعمال تحقيق النجاح بمعزل عنه. حفزت تجربة اليابان الرائدة المملكة للاستفادة منها في تحقيق أهداف رؤية 2030 ذات العلاقة بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ ما جعلها ضمن محاور زيارة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان؛ حيث وقعت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة اتفاقية تعاون مشتركة مع وكالة المنشآت الصغيرة والمتوسطة اليابانية للاستفادة من التجربة اليابانية العالمية والرائدة للقطاع، والمساهمة في خلق منظومة متكاملة؛ وبيئة جاذبة للمنشآت في المملكة؛ ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي ودعم الاقتصاد. البدء من حيث إنتهى الآخرون يمكن أن يقود «الهيئة» للنجاح؛ وتحقيق أهدافها المنشودة. الأمر يتجاوز بكثير مراسم توقيع الاتفاقيات وتوثيق العقود إلى العمل الجاد لنقل التجربة اليابانية بكامل معطياتها؛ وتطبيق منظومتها المحكمة محلياً دون إخلال في أركانها الرئيسة؛ وهذا يتطلب الاستنساخ المحكم والتوجيه الاحترافي الذي يتحول مع مرور الوقت إلى ثقافة عامة تقود كل من دخل في محيطها من المنشآت الصغيرة ورواد الأعمال نحو النجاح. ومن هنا أقترح أن تتضمن الشراكة الاستفادة من الخبرات اليابانية التي نجحت في بناء منظومة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتتولى برامج خاصة في كل منطقة من مناطق المملكة على حدة؛ فيكون لدينا فرق عمل احترافية معنية بتنمية المنشآت الصغيرة لديها كامل الصلاحيات ومرتبطة تنظيمياً بالهيئة. دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في حاجة إلى أدوات تنفيذية قادرة على تحويل النظريات إلى واقع معاش وهذا لن يتحقق إلا بوجود قيادات عالمية كفؤة مارست العمل وحققت قصص نجاح في دعم القطاع وزيادة حجمه ومساهمته في الناتج المحلي. ومثلما ارتبط نجاح المنشآت الصغيرة اليابانية بالشركات الصناعية الكبرى التي اعتمدت عليها في توفير احتياجاتها؛ فمن المفترض أن نبدأ محلياً بهذا الجانب؛ الذي يعتمد على توفير الشركات الصناعية الكبرى فرصاً تصنيعية للمبادرين القادرين على إنشاء منشآتهم الصغيرة والتوسع فيها.. فتحتضن سابك و أرامكو ومحطات تحلية المياه وشركات قطاع البتروكيماويات والمعادن وغيرها شركات صغيرة توفر لها الاحتياجات التي تقوم باستيرادها في الوقت الحالي. لدينا تجارب ناجحة ولاشك؛ إلا أنها تجارب خجولة تحتاج إلى توسع أكبر وتنوع يحقق أهداف الرؤية ويتوافق مع التجارب العالمية ومنها التجربة اليابانية. دخول الشركات اليابانية الصغيرة إلى السوق المحلية دون ضوابط وآلية عمل تضمن نقل تجاربهم قد يحد من حجم الاستفادة منها؛ وربما أضر بالجهود الرامية لتمكين المنشآت الصغيرة المحلية. غير أن دخولها كنماذج عمل لنشر ثقافة الإنتاج والإبداع والتحفيز سيكون مثمرا ولا شك؛ شريطة إرتباطه بخطة عمل محكمة لضمان النتائج المرجوة. نحن لا نريد استنساخ عمليات التستر الحالية بقدر حاجتنا لبناء منظومة إنتاجية وطنية متكاملة تعتمد الإبداع والابتكار وكفاءة الإنتاج قاعدة لها.