في سياق تركيز خطباء المساجد هذه الأيام على فضل العشر من ذي الحجة، وكيف أنها من مواسم الخير التي خصّ الله بها هذه الأمة، حثّ فضيلة الإمام الدكتور محمد بن حسن المريخي المسلمين على انتهاز هذه الفرصة وعدم تركها تمرّ دون أن يتزود المسلم منها بعمل صالح. وقال في خطبة الجمعة أمس بجامع عثمان بن عفان في مدينة الخور: أوصيكم بتقوى الله ومراقبته والتدين بدينه الإسلام والعمل به ومتابعة رسوله الذي أوصاكم بطاعته (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)، فلله سبحانه جعل في هذه الدنيا أوقات وساعات وأيام تتميز عن غيرها من الأيام والأوقات خصها الله تعالى بمزيد من الفضل وأودع فيها من البركات والرحمات ورفيع الدرجات ما جعلها جديرة بالعناية والاهتمام والترقب والانتظار والتطلع إلى بلوغها وإدراكها، من هذه الأوقات الفاضلات عشر ذي الحجة، وما أدراكم ما عشر ذي الحجة عظمها الله تعالى وأشاد بها من أيام مباركات وأوقات فاضلات، يقول تعالى (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ)، أقسم الله بها معظماً إياها ومظهراً شرفها ومقامها لأن القسم بالشيء تعظيم له خاصة إذا كان المقسم عظيماً جليلاً وهو الله جل وعلا، قال القرطبي رحمه الله : (وَلَيالٍ عَشرٍ) أي ليال عشر ذي الحجة، وقال الله تعالى عن هذه الأيام : (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) قال ابن عباس : هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام، وأعلم رسول الله الأمة عن فضلها ومكانة العمل الصالح فيها ليهتموا ويستغلوها ويقدروها حق قدرها، وهذا من فضل الله علينا معشر المسلمين ببركة رسولنا الذي دَلَّنا على كل خير، وحذَّرنا من كل شرٍّ، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام – يعني العشر – قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري. التعويض عن قصر أعمار الأمة وأضاف: شاءت إرادة الله جل وعلا أن تكون أعمار أمة محمد عليه الصلاة والسلام قصيرة لا تتعدى السبعين إلا قليلاً كما أخبر رسولنا بذلك بقوله: (أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين وأقلهم من يجوز ذلك) رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه ابن حجر. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس) رواه البخاري، وقال: (ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقى من النهار فيما مضى منه) رواه أحمد.. قال ابن حجر: معناه أن نسبة مدة هذه الأمة إلى مدة من تقدم من الأمم، مثل ما بين صلاة العصر وغروب الشمس إلى بقية النهار، بينما أعمار الأمم التي سبقتنا كانت طويلة جداً يعيشون القرون كما أخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)، ويعني أن أعمارهم طويلة أنهم يعملون أعمالاً صالحة كثيرة أو تمكنهم أعمارهم وتتيح لهم أن يحصلوا العمل الصالح الكثير والكبير بعد إذن الله عز وجل، ولهذا تفضل الله تعالى على أمة الإسلام فعوضها خيراً كبيراً فأتاح لها ويسر أن تعمل العمل القليل ويجزيها ومنّ عليها بالمواسم والأوقات والأزمنة الفاضلة كيوم عرفة وشهر رمضان والعشر الأواخر منه وعشر ذي الحجة وليلة القدر ويوم الجمعة وصيام المحرم وغيرها من المواسم التي خصها الله بمزيد من الفضل لتنهل منها الأمة لتكون في صف الأمم بل لتسبقها في الفضل والمنزلة والمكانة عند الله تعالى، يقول الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ويخبر رسول الله أمته بأنها قد سبقت الأمم ونالت النصيب الأكبر من الجنة مع أنها آخر الأمم، يقول: (الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم) رواه الترمذي وهو حديث صحيح. ونبّه فضيلته على أن هذه الأيام فضّلَها بعض العلماء على العشر الأواخر من رمضان، وأردف: لقد امتلأت الأيام العشر من ذي الحجة بالأعمال الصالحة حتى قدمها بعض السلف وفضلها على العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر؛ لأن المشروع فيها ليست في غيرها من المواسم، هذه الأيام العشر هي أيام الله تعالى، يقول سبحانه (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) فيها الذكر والدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير، فيه الحج إلى بيت الله الحرام، يؤدى فيها ركن من أركان الدين، يجتمع الحجاج في مكة والمشاعر، فيها يوم عرفه والأضحية والعيد وصلاته. فضل صيام يوم عرفة إن يوم عرفه بذاته يوم عظيم من أيام الله تعالى التي ينبغي للمسلم أن يستعد له ويدعو الله تعالى أن يبلغه إياه ليكون شاهداً له بالعمل الصالح وليتعرض فيه لرحمات الله ونفحاته، إنه ركن الحج الأكبر كما قال رسولنا الكريم: (الحج عرفه) حديث صحيح رواه أبو داوود، يوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة والرضا بالإسلام ديناً، ففي حجة الوداع وقف رسول الله في يوم الجمعة وقف بعرفات وأنزل الله عليه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينا) قال اليهود: لو أنزلت علينا هذه الآية معشر يهود لاتخذنا هذه اليوم عيداً، فقد أخبر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام أن الدين قد كمل ليعلم الأمة، وإذا كمل الدين فإنه لا يقبل الزيادة ولا النقصان وأن الباب موصود في وجه المبتدعة فما لم يكن ديناً على عهد رسول الله فلا يكون اليوم ديناً ولا يحق لأحد أن يتصرف في دين الله بعد رسول الله بزيادة أو نقصان، فهل يفهم المبتدعة هذا الكمال، في يوم عرفة أتم الله النعمة بالدين وتفضل به على المسلمين، فعليهم تقديرها بالقيام بها والعمل بالشريعة حماية لأنفسهم من محن الدنيا وعظائم الآخرة والتسلح بالأخلاق الإسلامية التي الأمة اليوم أحوج؛ لأن تتسلح بها لتحفظ نفسها وأجيالها من الذوبان في مستنقعات الأمم وبيارات الشعوب. يوم التوحيد يوم عرفة يوم التوحيد الذي خلق الله السموات والأرض من أجله، التوحيد الذي خلق الله من أجله الجن والإنس وخلق الجنة والنار وأرسل الرسل وأنزل الكتب، فهل يعقل البعض توحيد الله ويعلمون أنه يتعارض مع الذهاب للكهنة والعرافين والسحرة والمشعوذين، وهذا يذكرنا أيضاً بالعقيدة الصحيحة التي تكاد الأجيال تفقدها وتزوغ عنها، نتذكر ونذكر بالعقيدة لأن ميزانها عند البعض ضعيف بل لا يكاد يجد من الأهمية إلا النزر القليل، يوم عرفة يوم الدعاء بل خير الدعاء دعاء يوم عرفة يقول عليه الصلاة والسلام: (خير الدعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير). أهمية الدعاء وحثّ في نهاية خطبته على الإكثار من الدعاء في هذه الأيام فقال: الدعاء وما أحوجنا للدعاء ونحن في أزمنة الفتن والمحن والمشاكل، ما أحوجنا للدعاء ليفرج الله الهموم ويبدد الغموم، ما أحوجنا للدعاء والمشاكل تحيط بالمسلم من كل جانب.;