عندما نحمي الأطفال من كل المخاطر المحتملة، فإننا ندفعهم إلى الإحساس بالخوف المفرط، بحسب دراسة جديدة عن كيفية تعلم الصغار في الثقافات المختلفة. تقول أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا آليسون جونيك في مقال نشرته صحيفة الأميركية، إنها وجدت الأسبوع الماضي صدفةً صورةً جميلةً ومؤثرةً لأطفال صغار يتعلمون، كانت الصورة من فيلم صامت في العام 1928 من إنتاج مركز جونز لدراسات الأطفال في بيركلي كاليفورنيا، الذي أسسه رائد في مجال تعليم الأطفال الصغار. فيما يلي، نص المقال الكامل لأستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا آليسون جونيك: الأطفال في الفيلم قد يكونون في التسعين من عمرهم الآن، لكن في ذلك الوقت الرائع منذ زمن بعيد، وبقصات شعرهم المنفردة، ولباسهم الفضفاض القديم، كانوا يلعبون (بحذر) مع بطة وأرنب، ويرشون المياه في حمام السباحة الصناعي، ويحفرون في الرمال، ويغنون، ويتشاجرون. وفجأة، صُدمت مما رأيت، كان الأستاذ ينشر لوحاً ويقطعه نصفين، وطفل - لا يتعدى الخمس سنوات - يقلده بمنشاره الخاص، وطفلة أخرى تدق المسامير بشاكوشها. فيم كان يفكر الأساتذة؟ لماذا لم يوقفهم أحد؟ ردة فعلي في القرن الـ 21 عكست تغييراً حديثاً طرأ على طريقة تفكيرنا في الأطفال، والمخاطرة، والتعليم. ففي بحث جديد بعنوان "اللعب بالسكاكين" نُشر بمجلة تطوير الطفل، قام عالم الإنسان دايفيد لانسي بتحليل كيف يتعلم الأطفال في الثقافات المختلفة، وبنى قاعدة بيانات احتوت على ملحوظات العلماء الإنثربولوجيين (علم الإنسان) عن الآباء والأطفال، وغطى أكثر من 100 من المجتمعات ما قبل الصناعية، وضمت مجتمعات من قبيلة الدوسان في جزيرة بورنيو بشمال ماليزيا، مروراً بسكان بيراها في غابات الآمازون، ورحالة الأكا في إفريقيا. ونظر د. لانسي في الأشياء المشتركة فيما كان يقوله الأطفال والبالغون. وفي السنوات الأخيرة، استخدم عالم النفس جوزيف هينريك وزملاؤه الاختصار (WEARD) - أي: غربي، ومتعلم، وصناعي، وثري، وديمقراطي - كي يصفوا مجموعات البشر الغريبة التي قامت بدراستها معظم أبحاث علم النفس. يقوم د. لانسي بعمل دراسة مستخدماً نفس الاختصار، لكن على سلوكياتنا المعاصرة تجاه الأطفال هل هي جيدة أم سيئة؟ واكتشف تشابهاً مدهشاً في مجتمعات ما قبل الصناعة التي حلل بياناتها، فوجد أن الأشخاص البالغين كانوا يؤمنون بأن الأطفال لديهم القدرة والحافز ليتعلموا عن طريق مشاهدة الكبار واللعب بنفس الأدوات التي يستخدمها الكبار، مثل السكاكين والمناشير، وقلما وُجد تعليماً صريحاً لهم. ومن المدهش أن الأطفال يصبحون ذوي أهلية وكفاءة في وقت مبكر، ففي بعض المجتمعات بتايلاند، ينزع الأطفال ذوو الأربع أعوام جلود الحيوانات ويخرجون أحشاءها دون حدوث فاجعة، وفي ثقافات أخرى، يستخدم الأطفال ذوو 3-5 سنوات الفأس، ومعدات صيد الأسماك، وأنابيب النفخ، والقوس، والسهم، وعصا الحفر، ويد الهاون، ومدقة. صُعق علماء الإنثربولوجيا عندما رأوا الآباء تسمح لأطفالها وتشجعهم أيضاً على استخدام الآلات الحادة، فعندما كان طفل حديث المشي في مجتمع البيراها (بغابات الآمازون بالبرازيل)، يلعب بسكينة بطول 9 إنش وسقطت منه على الأرض، فجاءت أمه وهي تُكمل حديثها دون انقطاع، وأعطته إياها ثانية. واستنتج د. لانسي أنه "قد يُنظر إلى المتعلمين ذاتياً على أنهم مصدر لشيئين: صمود المجتمعات، وتغير أنماط الثقافة وممارساتها". ولاحظ بالطبع أن ثقافة استخدام السكاكين تكلفته أصابع مجروحة، وبالنسبة لي مثل غيري من البالغين في مجتمعنا، فإن هذا بعيد كل البعد عن أن يخطر ببالنا أن نفعله. لكن إبعاد كل هذه المخاطر عن حياة الأطفال قد يكون خطرا أيضاً، فهناك احتمال وجود نظير نفسي لما يُعرف "بفرضية الصحة العامة" المُقدمة لتشرح الزيادة المفرطة في الحساسية التي حدثت مؤخراً. فبسبب الصحة العامة، والمضادات الحيوية، وخروج الأطفال القليل جداً للعب في الخارج، فإن الأطفال لا يتعرضون إلى الميكروبات كما كانوا يفعلون قبل ذلك، وهذا يجعل أجهزتهم المناعية تتفاعل بإفراط مع مواد لا تهددها، فينتج عن ذلك الحساسية. وبطريقة مماثلة، فإن إبعاد الأطفال عن كل المخاطر المحتملة قد يدفعهم إلى الإحساس بالخوف المفرط تجاه مواقف غير خطرة على الإطلاق، وعزلهم عن مهارات الكبار التي سيحتاجون يوماً ما إلى إتقانها. فعلى المستوى الشخصي غير العلمي، فإنك تجد كثير من الأطفال الذين بلغوا سن الرشد يشعرون بالهشاشة، والضعف، والخوف، وأنهم عرضة للمخاطر بشكل عجيب وغير منطقي؛ فأنا سمعت شخص متعلم يرفض ركوب حافلة المدينة "لأسباب تتعلق بالمسؤولية". والفصل بين أفعال التهور وغرس الشجاعة في النفس أمراً ليس سهلاً، لكن ينبغي لنا أن نتعلم شيئاً من المدرسين والأطفال في العام 1928. هذا المقال مترجم عن صحيفة The Wall Street Journal. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط .