د. عبد العزيز المقالح كلما تخلت السياسة عن المبادئ تخلى الناس عنها، وصدق في حقها القول الذي يذهب إلى أن قلة من البشر فقط هم الذين لا يزالون يثقون بالسياسة وأقل منهم من لا يزال يثق بالسياسي. وتوشك أن تصير هذه هي الصورة السائدة عالمياً عن سياسة اللامبادئ مهما حاول الإعلام التابع لها أن يتجاهل خطاياها ويبالغ في الدفاع عن انحرافاتها. وربما كانت الصورة القاتمة عن السياسة - وإلى وقت قريب - تخص العالم الثالث بتناقضاته وتخلف تكويناته السياسية إلا أن الواقع الراهن أثبت أن الفساد السياسي أصبح عامّاً يشمل الشرق والغرب وصارت الدول المتقدمة والمتخلفة -في هذا المجال- على درجة سواء في التخلي عن المبادئ والتحرر من القيم الأخلاقية، ولعل أقرب مثال لهذا الانحدار تقدمه الحملات الانتخابية الأمريكية وما يستخدمه المرشح الجمهوري من وسائل غير أخلاقية مع منافسته الديمقراطية، وهو حال من التدني يخرج عما كان يسمى باللعبة الديمقراطية القائمة على الحد الأدنى من النزاهة والتصرف المعقول. لقد تدهور كل شيء في العالم الجديد، الأخلاق، والسياسة والاقتصاد، والشعور الإنساني، صحيح أن كل شيء في هذا العالم كان يقاس بالمصلحة وكان الإنسان نفسه محكوماً بالقانون لا بالقيم وأي تحايل مخالف يمكن أن يتم تمريره من وراء القانون بذكاء وبراعة لا تلحق مرتكبها عقوبة ما، لكن التدهور الذي تكشف عنه الممارسات الراهنة تثبت أن القانون لم يعد له نفوذ حقيقي على الضالعين في المخالفات الكبرى منها والصغيرة، وأن الانفلات الأخلاقي بات السائد في المعاملات وظهرت المافيا السياسية جنباً إلى جنب مع المافيا الاقتصادية وصار كل شيء ممكناً ومباحاً ووصلت الخصومات السياسية حداً يفقد معه السياسي توازنه واحترامه لنفسه وللجمهور الذي يسعى إلى استقطابه. وتشير بعض الكتابات الصحفية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن افتعال الأكاذيب واستخدام الألفاظ غير اللائقة وصلت في الحملة الراهنة حداً غير مسبوق ولا مثال له في كل الانتخابات السابقة التي لم تكن تخلو من التجريح والتشهير المحدودين. لقد اتضح أننا نحن العرب، أبرياء وسُذج نرى من البعيد الجانب المضيء من الصورة الأمريكية أو الأوروبية ولم نكن ندرك ما وراءها من عفن وما تمثله من ازدراء للقيم ومن خروج على ما يعتبره المجتمع قانوناً ضد التحقير والازدراء بالإنسان. وقد يثير أو يلفت الاهتمام وجود نماذج فاضحة لهذا الانحطاط في قيعان المجتمع بما فيها المجتمعات المتقدمة، لكن ما يثير ويلفت الاهتمام أن توجد هذه النماذج في النخب السياسية وبالقرب من القمة وهو الدليل الأوضح على تدني الأنماط السياسية ووصول بعض الأشخاص غير المؤهلين أخلاقياً إلى مستويات قيادية لا تلبث أن تفضح ضحالتهم وتجردهم من كل معاني الإحساس والشعور بما تقتضيه القيادة من حكمة وإدراك لما يجرح مشاعر منافسيهم ومشاعر من يقف في صف هؤلاء المنافسين من المعجبين والأنصار. وفي يقيني أنه إذا ما فازت السيدة كلينتون على منافسها - وقد أصبح فوزها شبه مؤكد - فإن جزءاً من هذا الفوز المرتقب يعود إلى صلف المرشح الجمهوري وإلى مبالغته في استخدام الأكاذيب التي وصلت إلى حد الافتراء، فالجمهور الناخب مهما كان حظه من الوعي يكره استخدام الأساليب الخارجة عن القيم المتعارف إليها خصوصاً حين يكون ذلك الفعل من شخص يريد أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة. ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها مرشح ما أن يفوز في سباق الرئاسة بالأكاذيب فتكون النتيجة سقوطه الذريع. mam992008@hotmail.com