من أكثر ما اقترنت به المراحل التاريخية للنمو والتنمية في مدينة الرياض هو قطاع النقل فالرياض لم تتمكن من تجاوز حدود أسوارها الطينية، إلا بعد أن دخلت السيارة إلى حياة سكانها في الستينات من القرن الهجري المنصرم، كما أن مطار الرياض القديم، وعلى إثره المطار الحالي يمثل كل منهما العامل الأبرز في توجيه محاور النمو للمدينة وتطورها الاقتصادي و العمراني، لذا فما مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام الذي شهدت العاصمه الرياض أولى خطوات تنفيذه الأسبوع الماضي إلا إيذاناً بدخول مرحلة تنموية جديدة في تاريخ المدينة. إن مشروعات النقل العام داخل المدن لا تحقق في الغالب عائداً ربحياً، لذا نرى في كثير من الدول أن القطاع العام الحكومي هو من يتولى توفير خدماتها، فأعرق شبكة للقطارات تحت الأرض في العالم بالعاصمة البريطانية لندن التي تبلغ نسبة استخدامها 98 % من سكان المدينة، عجزت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر عن تخصيصها في ذروة موجة التخصيص بالثمانينات الميلادية إن ذلك لم يحدث في الرياض أو مدن المملكة الأخرى أعني توفير النقل العام الحكومي، الأمر الذي أدى لأن يملأ هذا الفراغ القطاع الخاص غير المؤسسي أو بالأحرى الفردي من خلال خدمة حافلات (خط البلدة) المتواضعة، التي حاول القطاع الحكومي لاحقاً الرفع من مستوى خدماتها بإدخال شركة شبه حكومية منافسة هي (شركة النقل الجماعي) التي لم تكسب الرهان، فانسحبت من السوق بعد تلقيها خسائر متتالية، ليهبط مستوى النقل العام بالحافلات إلى أدنى درجاته. لقد ادركت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض حجم وابعاد هذه القضية في مدينة تعد من بين عواصم العالم العربي الأكثر سكاناً بتعداد يصل إلى نحو ستة ملايين نسمة، وإزدحاماً مرورياً بوجود ما يربو على مليون ونصف المليون مركبة، ونسباً مرتفعة في حوادث السيارات، ومعدلات عالية في استهلاك الوقود، فوضعت منذ ما يزيد على عقد من السنوات خطة شاملة للنقل العام في المدينة لم تتمكن من توفير التمويل اللازم لتنفيذها، نتيجة إصرار جهات التمويل على وجود الجدوى الاقتصادية لهذه الخطة، إلى أن تأزمت القضية في المدينة فصدرت موافقة مجلس الوزراء العام الماضي على تنفيذ مشروع النقل العام في الرياض (القطارات والحافلات) بكامل مراحلة، لتلقي وزارة المالية بثقلها من خلال صندوق الاستثمارات العامة في تمويل المشروع، إلا أن تأخر المبادرة كان له الأثر الواضح على العروض المالية الضخمة للتنفيذ. لقد كان من المتيسر توفير التمويل اللازم للمشروع في هذه المرحلة التي يوجد لدى المملكة سيولة مالية عالية، وكان من المتاح أيضاً دعوة بيوت الخبرة العالمية للقيام بأعمال التصميم والتنفيذ والتشغيل للمشروع، لكن ما لا يمكن جلبه وإيجاده وإنما حفزه واستقطابه هو المستخدم لوسائل النقل العام في شبكة المشروع من حافلات وقطارات، فهو الشريك الأساسي لنجاح هذا المشروع وتحقيق أهدافه، حيث ليس من السهل رفع نسبة المستخدمين لوسائل النقل العام في مدينة الرياض من 2% (120 ألف راكب) حالياً، إلى الرقم الذي يستهدفه المشروع وهو 45% (3.6 مليون راكب) ما لم يتم تحديد شريحة أولئك المستخدمين من بين السبعة ملايين نسمة عدد سكان المدينة المتوقع خلال السنوات التي سيبدأ أثناءها تشغيل المشروع، لهذا نص قرار مجلس الوزراء المتعلق بالموافقة على تنفيذ هذا المشروع على وجود حوافز لاستخدام النقل العام، فهذا العنصر هو ما كان العامل الرئيسي وراء فشل استمرار تشغيل حافلات شركة النقل الجماعي داخل المدينة، وبقاء مركبات "خط البلدة" المتهالكة تعمل وبعائد ربحي ولو نسبي إلى اليوم..! فإلى أن تبدأ مرحلة التشغيل المتوقعة لمشروع النقل العام بالرياض بعد ما يزيد على أربع سنوات، هل سيحظى هذا الملف بالأولوية في خطط وبرامج هيئة النقل العام، التي صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تنظيمها منذ نحو أسبوعين..؟