يبدأ المستثمرون فجأة في هذا الوقت من العام بانتظار قرار مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي في شأن أسعار الفائدة. هل سيقرر أعضاء المجلس رفع أسعار الفائدة أم أنهم سيحافظون على معدلاتها الحالية. لقد واظب المستثمرون والأسواق على طرح هذا السؤال منذ أن قام المجلس برفع أسعار الفائدة آخر مرة في ديسمبر من العام الماضي. إننا لا نتوقع أي إجراء من جانب الاحتياطي الفيديرالي على صعيد أسعار الفائدة، بما أن الأسس الاقتصادية لا تبرر رفع أسعار الفائدة الان. وفي حال قرر أعضاء المجلس رفع الفائدة، فإنها ستكون المرة الأخيرة، ونتوقع منهم الإبقاء على الأسعار منخفضة لفترة طويلة. وكانت رئيسة الاحتياطي الفيديرالي الأميركي أكدت عندما قرر المجلس رفع أسعار الفائدة في ديسمبر 2015، على أن أي زيادة مستقبلية في الأسعار ستكون تدريجية وستعتمد على البيانات الاقتصادية. ويبدو أن موقف المسؤولين في الفدرالي الأميركي لم يتغير. ستعتمد لجنة الاحتياطي الفيديرالي عند تحديد توقيت وحجم أي زيادة مستقبلية في أسعار الفائدة على تقييم الأوضاع الاقتصادية الحالية والفعلية، بالمقارنة مع أهدافها المتمثلة في خفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى ورفع معدل التضخم إلى 2 في المئة. ويواجه المجلس حالياً معضلة في ظل وصول معدل البطالة إلى أدنى مستوى قياسي، وبقاء معدل التضخم مستقراً دون مستوى 2 في المئة. ورغم أن معدل البطالة أقل من نسبة 5 في المئة، إلا أن معدل نمو الأجور كان بطيئاً جداً. ليس هناك ضغط أجور في النظام. لقد شكلت فرص العمل بدوام جزئي أو للقادمين الجدد إلى سوق العمل الذي يحصلون على الحد الأدنى للأجور معظم الوظائف التي وفرها الاقتصاد الأميركي. لم تتغير الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة بشكل كبير منذ آخر مرة تم فيها رفع أسعار الفائدة. تعتمد التغييرات في السياسات النقدية على الظروف الاقتصادية البحتة التي تتأثر بشكل كبير بالتضخم، والنمو الاقتصادي ونمو الأجور. من الواضح أن هناك قضايا أخرى تظهر فجأة وتؤثر على قرارات الاحتياطي الفيديرالي الأميركي في شأن التغيير في أسعار الفائدة مثل الظروف الاقتصادية العالمية، والأزمات المالية والتوترات الجيوسياسية إلخ. التضخم لم يعد التضخم يمثل تهديداً كبيراً لا في الولايات المتحدة ولا في جميع أنحاء العالم. يحتاج مجلس الاحتياطي إلى اتخاذ قرار وبوضوح في شأن التضخم مفاده أن على التضخم الوصول إلى المستوى المستهدف الذي يعادل 2 في المئة قبل اتخاذ اي قرار في شأن أي زيادة في أسعار الفائدة. كما عليه التأكد من مصدر خطر التضخم، إذا كان هناك واحد. إذا كان نمو الأجور هو سبب التضخم فذلك يعني أن للمجلس وجهة نظر معقولة. ولكن كما ذكرنا سابقاً فإن نمو الأجور لم يكن المشكلة بالنسبة للاقتصاد الأميركي. لقد لعبت أسعار النفط المنخفضة وانهيار أسعار السلع الأساسية دوراً في إبقاء معدل التضخم منخفضاً للغاية، وهو الواقع الذي لن يتغير في القريب العاجل. نحن نعتقد أن على الفيديرالي انتظار فحص المزيد من الأدلة على نمو الأجور، وارتفاع أسعار الطاقة والسلع قبل اتخاذ أي إجراء. النمو الاقتصادي هذا أحد الأسباب القوية التي تدفع أي بنك مركزي إلى تغيير سياساته النقدية. تميل البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة عندما تكون الأنشطة الاقتصادية المحلية في تصاعد وتتجه إلى منطقة لا يمكن السيطرة عليها، وبناء على ذلك تعمل على رفع أسعار الفائدة بشكل تدريجي لتهدئة هذا التسارع في النشاط الاقتصادي وتجنب أي تراكم في الضغوط التضخمية. لقد كان الاقتصاد الأميركي يحقق نمواً بنسبة تقارب 2 في المئة، وهي نسبة دون اتجاهات النمو التاريخية. ما يثير الدهشة هو عدم نمو هذا الاقتصاد بمعدلات أعلى على الرغم من معدلات الفائدة التي تقارب الصفر ومستويات البطالة التي وصلت إلى مستويات قياسية منخفضة. نحن لا نعتقد أن الاحتياطي الفيديرالي سيتجاهل هذا النمو الاقتصادي الضعيف. النمو الضعيف للأجور كان الإنفاق الاستهلاكي القوة الدافعة وراء النمو الاقتصادي. إن النسبة المئوية التي يشكلها قطاع الاستهلاك في الولايات المتحدة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي هي الأعلى في العالم حيث تصل إلى نحو 70 في المئة. لقد كان نمو الأجور في الولايات المتحدة في حالة ركود منذ سنوات، وحتى منذ ما قبل الأزمة المالية في عام 2008. في الواقع، تشير البيانات إلى أن متوسط الأجر السنوي للعاملين الأميركيين، بعد تعديله للتضخم، لم يرتفع منذ السبعينيات من القرن الماضي. أحد أهم الأسباب للركود في الأجور هو الزيادة الهائلة في تكاليف الرعاية الصحية التي يرعاها أصحاب العمل. ففي حين أن مجموع التعويضات آخذ في الارتفاع، فإن الراتب الصافي لا يرتفع. وهذا يفسر عدم ضغط الموظفين للمطالبة بزيادة في الأجور. كل هذا سيردع على الأرجح الاحتياطي الفيديرالي من رفع أسعار الفائدة أكثر. @Rasameel