يُحسب لهيئة أسواق المال سعيها الدؤوب من أجل ترقية السوق إلى درجة الناشئة (emerging market)، وهي مهمة ليست بالسهلة، بل تتطلب جهداً كبيراً من قبل الفريق المعني، ولكن هل وفّرت الهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة لهذه المرحلة الحيوية التي يُفترض أن يتغيّر معها الشكل الاستثماري للكويت؟ ماذا حدث منذ تولي شركة البورصة المهام الإدارية في السوق في 25 أبريل الماضي؟ كثُر الحديث عن مناقشة وبحث تطوير السوق وآليات التداول إضافة الى إطلاق حزمة من الأنظمة التطويرية الجديدة، فمن المقصر إذاً، هل البورصة أم «الهيئة»؟ تظل أصابع الاتهام في شأن تأخير العمل بتلك التصورات موجهة الى كل منهما، فيما تبقى الكرة في النهاية بملعب الهيئة (صاحبة القرار والصلاحيات الرقابية). الأنباء تواترت طيلة الفترة الماضية عن رفع ملفات مهمة يمكن أن يؤدي تفعيلها إلى خلق سوق جاذب لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية على حد سواء، إلا أن تلك الملفات التطويرية لم يُبت فيها حتى الآن دون أي سبب جوهري معلوم! وفي السياق ذاته، يبدو أن بورصة المراهنات على إحداث تأثير كبير، في حال ترقية السوق الكويتي، بدأت تنشط في ظل غياب الأدوات الاستثمارية الداعمة لذلك، إضافة إلى العمل في بيئة باتت طاردة للاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال المحلية، لاسيما بعد أن تراجعت السيولة المتداولة إلى مستويات لم يشهدها السوق منذ سبتمبر من عام 2002. تتمثل تلك المشاريع والمقترحات المعمول بها عالمياً، في عدد من الأدوات، منها صناع السوق، فما هي الأدوات المطلوبة لإنجاح دور صانع السوق، وهل المقاصة مهيأة للعمل بها؟ تشير مصادر إلى أن نجاح صانع السوق يتوقف على توافر عدد من الأدوات المساعدة، منها سيولة الأسهم، والبيع على المكشوف، وإقراض الأسهم، وإلغاء الوحدات السعرية، لافتة إلى أن العملية بحاجة إلى دور أشمل للمقاصة وعدم التمترس وراء آليات قديمة من اجل الحفاظ على تدفقاتها المالية الحالية، منوهة بأن مثل هذه الأدوات المهمة ستخدم في الأساس قضية الترقية إلى الأسواق الناشئة. ولا يخفى أن الملفات التي نتحدث عنها وتحتاج الى اعتماد وإقرار سريع من قبل الجهات الرقابية تتضمن التالي: 1 - ملف توفيق أوضاع البورصة لتصبح جاهزة للحصول على ترخيص من قبل «الهيئة». 2 - إعادة تصنيف السوق إلى 3 كيانات رئيسية كل منها يشتمل على عدد من الشركات المسجلة في القطاعات الحالية. 3 - وضع قواعد وضوابط تنظيمية قادرة على إحداث غربلة في السوق من خلال فرز الشركات المُدرجة. 4 - إطلاق مؤشرات جديدة لقياس مسار السوق بشكل منطقي بدون التأثر بالمضاربات العشوائية التي تقودها محافظ استثمارية وحسابات فردية. 5 - اعتماد التصور الخاص بتنظيم تعاملات الأسهم غير المُدرجة (سوق الجت) التي يفوق عددها ألف شركة قابلة للتداول وتنطبق عليها آليات التعامل المتبعة حالياً. 6 - مقترحات تتعلق بتنظيم الصفقات التي تقل عن 5 في المئة من رأسمال أي شركة من الشركات المُدرجة. 7 - التصور الخاص بضبط حركة المؤشرات هبوطاً وإمكانية التدخل من أجل الحد من خسائر المؤشرات حال حدوث كوارث، أو ما يؤدي إلى الانهيار مثلاً. 8 - المقترحات الخاصة بتداول المؤشرات العامة. 9 - برنامج معالجة نقص السيولة وجمود الملكيات. 10 - توفير ما يتيح للمستثمر الأجنبي إمكانية الدخول والخروج على الأسهم المُدرجة ومواجهة الإشكالية الحالية التي تتمثل في صعوبة التخارج بسبب غياب مُعدل الدوران على السلع. كل ما سبق يمثل مقترحات وتصورات تطويرية انتهت منها شركة البورصة، وباتت بين أيدي مجلس مفوضي أسواق المال، ولم يُبت فيها بشكل نهائي حتى الآن، فكيف ستنجح ترقية السوق الكويتي إلى درجة الناشئة والخروج من «دون الناشئة» (frontier markets) في ظل غياب البيئة المناسبة التي توفرها تلك المشاريع والمقترحات المُقدمة من قبل الشركة. تقول مصادر مسؤولة لـ «الراي» إن الترقية في حد ذاتها وإدراج الكويت ضمن الأسواق الناشئة يمثل نقلة نوعية للبلاد بوجه عام، إلا أن استغلال هذه الخطوة لن يتأتى بالشكل الصحيح إلا في حال توافرت المعطيات المناسبة لها، وإلا سيحدث كما حدث في أسواق تم ترقيتها خلال الفترة الأخيرة الماضية، مثل الإمارات وقطر عندما حققت بورصاتها قفزة بنسبة فاقت الـ 5 في المئة، ثم عادت أدراجها بسبب عدم توافر عوامل مساعدة. ولا يخفى أن «MSCI» تنظر إلى البيئة التنظيمية، ومدى إمكانية دخول المستثمر الأجنبي والمحلي أيضاً (المؤسسي) إلى سوق الأوراق المالية والخروج منه بلا قيود على الملكية، ومن ثم نقل الأموال بسلاسة ويسر. ويشمل هذا الجانب أيضاً، مدى تبني السوق للمعايير العالمية في المحاسبة والتدقيق، ومدى نفاذ القانون. في هذا الخصوص، يتضح أنه ليست لدى البلاد مشكلة تذكر على صعيد السماح بتملك الأجانب وسهولة نقل الأموال وقوة القانون، لكن المشكلة تكمن في عدم استيفاء بعض المعايير المقبولة عالمياً على صعيد الإطار التنظيمي للسوق وعمليات التسويات، ومجمل العملية التشغيلية الأخرى وإجراءات ما بعد التداول وغيرها، وكل ذلك تضمنته المقترحات التي رفعتها البورصة إلى هيئة أسواق المال ولم يتم اعتمادها حتى الآن، فكيف سيكون للترقية تأثير؟ ويتضح بحسب مصادر رقابية أن بإمكان هيئة أسواق المال معالجة القصور على صعيد النواحي والجوانب التنظيمية بحكم القانون 7 لسنة 2010 ولائحته التنفيذية، لكن السؤال الأكبر يبقى حول تكوين السوق والأسهم المدرجة في نحو 13 قطاعا، والممارسات المحيطة بعمليات التداول. وعلى الرغم من وجود سلع سائلة ذات جودة عالية، منها بنوك على غرار البنك الوطني و»بيتك» وشركات مثل «زين» و»أجيليتي» وغيرها، إلا أن الانطباع السائد والراسخ في أذهان أوساط استثمارية منها الأجنبية أن الغالبية العظمى من الشركات المدرجة في الكويت قليلة السيولة، وضعيفة الشفافية، وفي كثير من الأحيان لا تتوافر لديها نماذج أعمال واضحة، ما يمثل تحدياً كبيراً على الهيئة أن تواجهه، علماً أن المشاريع المقدمة إليها تتضمن رؤى وتصورات تخدم تلك الفكرة.