ظلت الأسواق المالية، خلال معظم فصل الصيف، تقلل من احتمال قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي باتخاذ إجراء جديد حيال أسعار الفائدة في عام 2016. وقد كان هذا الاعتقاد مبنياً في الأساس على تقرير شهر مايو القاتم عن الوظائف في الولايات المتحدة وتصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوربي الأمر الذي أدى إلى تفاقم عدم اليقين في الأسواق المالية. لكن عاد الآن اهتمام السوق مرة أخرى ببنك الاحتياطي الفيدرالي مع تزايد الثقة بأن تقرير الوظائف لشهر مايو كان مجرد سحابة عابرة في سوق العمل الذي بدأ في التحسن بقوة في الولايات المتحدة، وأن تأثير صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي يقتصر في معظمه على المملكة المتحدة فقط. وقد تابعت الأسواق عن كثب اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي السنوي في جاكسون هول في مطلع الاسبوع بحثاً عن أي مؤشرات بشأن ما قد يفعله البنك خلال ما تبقى من العام بدءاً من اجتماعه القادم في 21 سبتمبر. وبرأينا، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيقوم برفع أسعار الفائدة مرة واحدة في هذا العام في ظل تطور الأوضاع الاقتصادية العامة وفقاً لتوقعاته المعلنة في شهر يونيو. وقد بلغ معدل التضخم الأساسي 1.6% في يونيو، وهذا قريب جداً من تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي التي كانت 1.7% بنهاية عام 2016. وعلاوة على ذلك، تسارع نمو الأجور في الأشهر الأخيرة، وهو ما يشير إلى مزيد من المكاسب مستقبلاً. وكان معدل البطالة 4.9% في يوليو، وهي نسبة لا تبعد كثيراً عن تقديرات البنك التي كانت 4.7% بنهاية العام. كما تحسن نمو الوظائف على نحو ملحوظ، مضيفاً متوسط 186 ألف وظيفة في الشهر، وهو أعلى بكثير من معدل 85 ألف اللازم للحفاظ على معدل البطالة المستهدف. وارتفع أيضاً معدل مشاركة القوة العاملة بعد أن بلغ أدنى مستوياته في شهر سبتمبر 2015. وقد أدى التحسن في معدلات التضخم وسوق العمل بنائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ستانلي فيشر، ليعلن قائلاً «لقد أصبحنا قريبين من أهدافنا». وبالإضافة إلى ما قيل، فقد ظل بنك الاحتياطي الفيدرالي مهادناً نوعاً ما هذا العام بالنظر إلى توقعاته للتضخم والبطالة وسلوكه التاريخي. يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يرتفع معدل التضخم بواقع 0.3 نقاط مئوية من عام 2015 إلى 2016 وأن تتراجع البطالة بنسبة 0.3% خلال نفس الفترة. وتاريخياً، هناك 8 مرات ارتفع فيها معدل التضخم بمقدار 0.3 نقطة مئوية وانخفض فيها معدل البطالة بمقدار 0.3 نقطة مئوية. وفي 6 من هذه المرات رفع بنك الاحتياطي أسعار الفائدة ثلاث مرات أو أكثر خلال السنة. أما المرتان اللتان لم يتحرك فيهما بنك الاحتياطي الفيدرالي فقد كانتا في عام 2010 في أعقاب الأزمة المالية العالمية عندما كانت نسبة البطالة في الولايات المتحدة حوالي 9.5%، أي أعلى بكثير من توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي بتحقق تشغيل كامل. والمؤشرات الأخرى أيضاً تدعم ترجيح قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة هذا العام، فالنشاط الاقتصادي آخذ في التزايد. ووفقاً لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي يسير باتجاه نسبة 3.6% في الربع الثالث بعد البداية البطيئة في النصف الأول من العام الحالي عندما نما الاقتصاد بنسبة 1.0% فقط. وقد خفت وتيرة ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي في الأشهر الأخيرة، مما يشير إلى تخفيف العبء على الصادرات والنمو مستقبلاً. كما استقرت الأسواق المالية بعد الاضطرابات القليلة التي أعقبت التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. وبدأ أعضاء مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي يتحدثون مجدداً عن رفع سعر الفائدة، كما حدث في الكلمتين الأخيرتين لنائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، واللتين حظيتا بتغطية واسعة. ونتيجة لذلك، بدأت الأسواق المالية تعدل توقعاتها، وهي حالياً تقدر بنسبة 50% احتمال رفع سعر الفائدة مرة واحد على الأقل قبل نهاية العام، مقارنة بنسبة 12% فقط في مطلع شهر يوليو. ختاماً، يمكن القول بأن الأوضاع الاقتصادية قد باتت مهيأة لقيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة مرة أخرى في العام الحالي. ولا يُرجح أن يتم رفع سعر الفائدة في اجتماع شهر سبتمبر، فالأسواق ليست مستعدة بعد لذلك. وتشير مؤسسة جولدمان ساكس إلى أن 90% من جميع زيادات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة كانت متوقعة بنسبة 50% على الأقل قبل 30 يوماً من تاريخ إعلانها. وهذا الشرط لم يتحقق بعد، فالأسواق حالياً تتوقع بنسبة 28% احتمال رفع الفائدة في سبتمبر. وفي حين أن شهر سبتمبر قد يعتبر موعداً مبكراً للغاية، يُرجح ألا تكون لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي أي أعذار لعدم رفع أسعار الفائدة في ديسمبر.