منذ فترة والتقلبات الحادة في الأسعار تطغى على أسهم الشركات المساهمة المدرجة في السوق المالية السعودية، وتفاقمت لتحيط بها حتى في أوضاع ارتفاع أسعار النفط، فحين تجاوز قبل أيام سعر برنت 51 دولاراً كان المؤشر العام للأسعار معاكساً لذلك التحسن وفقد نحو 270 نقطة. مثل تلك التقلبات هي صورة طبق الأصل لتقلبات حادة حدثت منذ أكثر عام، وتحدث بين شهر وآخر، وكان من شأنها أن تُوجِد إرادة قوية لاحتوائها بدلاً من الاكتفاء بمشاهدتها والسير على استشارات تفتقر لما يشهده الواقع، ودون أي حراك يقيس مضاعفات انتشار مثل هذا المرض العضال الذي استشرى في السوق وعصف بمدخرات الأبرياء من المستثمرين الذين أحسنوا النية في الدخول في الاستثمار لأجل تنمية مدخراتهم. إن ما تبذله هيئة السوق المالية من جهود لإيجاد الاستقرار للسوق هو أمر واضح، ويحتاج إلى أن يكون مبنياً على الوقائع، وعلى ما يحدث في السوق من تقلبات حادة ومتكررة تستدعي قياسها على نحو مبني على لغة العقل وليس على قوة العاطفة؛ وهذا من شأنه أن يشجع على إنشاء صانع حقيقي للسوق، لأن وجود هذا الصانع سيعمل على زيادة الثقة في سوق شديدة التقلب ومتأثرة دوماً بالشائعات بصورة تفوق ما يجري في أسواق أخرى، وذلك نظير أن النسبة المرتفعة من التعاملات اليومية هي تحت سيطرة الأفراد. في غالبية أسواق المال المتقدمة أو الناشئة إن لم يكن جميعها يتواجد صانع السوق على هيئة مجموعة من الشركات تتقدم بعطائاتها وتكون متخصصة في شأن صناعة السوق، تظهر عند نقص السيولة وشحها وضعف قدرة تدفقها إلى سوق المال، وهو عامل أضفى عليها التوازن في الأسعار لأسهمها، ووسع القدرة على ضبط الفجوات التي تنشأ بين العرض والطلب، مما كان له الأثر في عدم انزلاق الأسعار والمؤشرات الرئيسية إلى مستويات دنيا. الغريب أن صانع السوق أصبح يتواجد في أسواق مالية مجاورة وأقل إمكانية من حيث التدفقات النقدية ومن حيث أحجام التداول والصفقات والقيمة الإجمالية المنفذة، ومنها أسواق الإمارات المالية، إضافة إلى بورصة الكويت التي سيبدأ بها عمل صانع السوق في الفترة المقبلة بعد أن استجابت هيئة سوق المال لمطالبات الخبراء بضرورة وجوده. ما أوردته سابقاً هو مثال ظاهر على أهمية وجود الصانع الحقيقي للسوق المالية وغيابه له خطره، والآمال مازالت معلقة على هيئة السوق المالية أن تبدأ في العمل الجاد، كما أنها معلقة أيضاً على معالي رئيسها الذي يحمل سيرة عطرة ولديه الحماس في التطوير، وأناشده أن يعمل لإيجاد صانع للسوق يرسخ من مفهوم التوازن بين العرض والطلب، وبالتالي يعطي هذا الصانع الاستقرار لأسهم الشركات المدرجة ذات التأثير على المؤشر العام للأسعار، ويستوعب حالة الضغوط البيعية في حالة التشاؤم، وفي حالة التفاؤل عند ارتفاع حدة الشراء، وعلى الهيئة أن تتجاهل توصيات أي مستشارين منفصلين عن واقع السوق المالية ولا يولون لهذا الجانب وزناً وأهمية.