حين يحسد الإخوة بعضهم بعضاً ويتخاصمون غالباً يدخلون في دوامة الشجار التي طالما شكّلت محور خوف لدى عائلات عدّة، لا سيما أنها لا تنتهي أحياناً في مرحلة الطفولة. يثير الشجار بين أولادك قلقك؟ هل تتساءلين كيف يؤثّر عليهم؟ هل احتدمت المواجهة بينهم وأصبحت خارج السيطرة؟ حان الوقت لمعالجة المسألة. اطمئنّي، فلست الأمّ الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة. الشجار الأخوي معضلة تواجهها عائلات عدّة وتنتج منها حالة توتر وضغط نفسي يعيشها الأولاد والأهل على حدّ سواء. وتذكري حتى عندما تجمع الإخوة علاقة ممتازة لا تشوبها شائبة، يبقى السجال بينهم شائعاً. بينما يتأقلم بعض الأولاد مع ولادة أخ لهم، يجد البعض الآخر في ذلك مشكلة حقيقية. في هذه الحالة، يشعر الولد الأكبر بأنّه «خُلع عن عرشه» أو أصبح «جانباً». فلا بدّ من أن يكرّس الأهل اهتماماً بالغاً للمولود الجديد لأنّه يحتاج إلى وقت أكبر وعناية أكثر، وإذ يوزّعون انتباههم بين طفلين أو أكثر، يتلقّى الطفل الجديد القسم الأكبر منه غالباً لأنّه ما زال رضيعاً وهزيلاً يحتاج إلى عناية مشدّدة. قد يخّف تواصل الأهل، من حيث النوعية والكميّة، مع أولادهم الأكبر سنّاً. لذلك، من الطبيعي أن يتنبّه هؤلاء لهذا التمييز الحاصل إثر الولادة الحديثة، فيشعرون بأنّهم معزولون تماماً. يصبح المولود الجديد محور اهتمام الأهل، ما يشكّل أساساً للمنافسة الأخوية. بالإضافة إلى ذلك، يُشار إلى أنّ المنافسة الأخوية في الطفولة تمهّد الطريق لسجال دائم بين الأخوة البالغين. غير أنّها غالباً ما تلقي بظلالها في مرحلة الطفولة وما قبل سنّ المراهقة. هل العمر عامل للشجار؟ العمر عاملٌ أساسيّ. يحتدم الصراع وتشتدّ المنافسة بين الأخوة الصغار عند بدء المشي، وقبل مرحلة الذهاب إلى المدرسة، وعند الالتحاق بالمدرسة الابتدائية. ما إنّ ينتقل الأولاد إلى مرحلة المراهقة ويشعرون بالاستقلاليّة نوعاً ما، حتى تزول المنافسة الأخوية نسبيّاً. يتشاجرون على الممتلكات يتشاجر الأولاد في مرحلة المدرسة الابتدائية دوماً حول أيّ برنامج تلفزيوني يجب مشاهدته. قد تشكّل هذه المسألة عراكاً دائماً ومستمراً. يغيظ الأولاد قبل بلوغ مرحلة المراهقة إخوتهم الأصغر سنّاً غالباً، ما إن يلاحظوا أنّ أهلهم يميّزون الطفل الأصغر. في طبيعة الحال، لا يُخفى على أحد أنّ الأهل يميلون دوماً إلى تدليل الطفل الأصغر سنّاً، فيستاء الأخوة الأكبر سنّاً. في الوقت عينه، يحاول هؤلاء إغاظة أخيهم الأصغر ما إن يشعروا بأنّ الأهل ألقوا اللوم عليهم بطريقة غير عادلة بعد الشجار. يحتدم الشجار بين الأخوة الذين يبلغون سنّاً متقاربة (يكون الفرق سنتين أو أقلّ)، لأنهم في هذه المرحلة يحتاجون إلى دعم الأهل واهتمامهم بالكميّة ذاتها. في المقابل، كلّما كبر فرق العمر بين الأولاد، انخفضت حدّة الشجار بينهم. مثلاً، غالباً ما يهتّم الأولاد الأكبر سنّاً بإخوتهم الصغار ويقدّمون لهم الرعاية ويلعبون دوراً وقائياً معهم. كيف نساعدهم على التأقلم مع المولود الجديد؟ أوّلاً: الخطوة الأهمّ التي في وسع الأهل القيام بها، إشراك ولدهم الأكبر سنّاً قبل حدث الولادة وبعده: • قبل أن يحين موعد الولادة، على الأهل تشجيع ولدهم الأكبر سنّاً ليكون جزءاّ من الحدث. عليهم أن يشركوه في تحضيرات ما قبل الولادة (تحضير ثياب الطفل، وترتيبات الولادة، والنظر سوّياً إلى صوره قبل أن يولد... إلخ). • قراءة كتب مناسبة للأطفال الذين ينتظرون مجيء المولود الجديد إلى العائلة. • بعد ولادة الطفل الجديد، على الأهل أن يثابروا على إشراك الأخ الأكبر: طلب المساعدة منه، وتشجيعه على كونه متيقّناً من مشاعر الطفل الحديث الولادة وحاجاته، ومساعدة أخيه كي يشعر بالراحة عندما تدعو الحاجة. ثانياً: تلبية حاجات الولد الأكبر سنّاً • حاولي قدر الإمكان عدم تجاهل ابنك الأكبر سنّاً فيما ترعين مولودك الجديد. • تذكّر الأوقات الرائعة التي أمضاها الأهل مع ولدهم قبل ولادة الأخ الأصغر، ومحاولة استرجاعها قدر المستطاع وعيش لحظات مماثلة. تخصيص وقت خاص للطفل الأكبر كلّ يوم كي لا يشعر بالتمييز. • الحفاظ قدر الإمكان على نشاطات روتينية كان يمارسها الولد الأكبر قبل الولادة، وتزويده بالرعاية والحبّ والحنان. ثالثاً: التنبّه إلى مؤشرات الحسد غالباً ما يكون الحسد أساس الشجار بين الأخوة. وتتضمّن مؤشرات الحسد الذي يشعر به الولد المعزول في إثر مجيء المولود الجديد ما يلي: مخاوف سلوكية • تغيّرات في الأداء السلوكي. • سلوك صعب ومتطلّب. • سلوك طفيلي واتّكاليّ ومتشبث. • تقلّب في المزاج، ونوبات غضب. • إبداء انزعاج كبير تجاه الأكل والنوم والروتين والاستحمام. سلوك مؤذٍ مع الأخ الأصغر • إغاظة الطفل الجديد ومضايقته أو التفوّه بحماقات ضدّه. • التصرّف بعدوانية وأذى مع المولود الجديد (قرص أو ضرب الأخ الأصغر سنّاً). • تتضمّن مؤشرات الغيرة التي يشعر بها الأطفال الأكبر سنّاً تجاه أخوتهم الصغار: الإغاظة والصراخ المتبادل والمضايقات والإهانات والانتقادات والضربات والتدافع. هل يجدر بالأهل التدخّل في الشجار؟ يقدّم الشجار بين الأولاد فرصاً لتعزيز كفاءة الطفل الاجتماعية والنفسية ويزيد ذكاءه العاطفي. باستطاعة الأهل مساعدة أولادهم على التعامل بفاعلية أكبر مع الصراعات التي تنشب بينهم. بإمكانهم الاستفادة منها ليعلّموهم كيفية العيش جنباً إلى جنب وحلّ مشاكلهم وصراعات خارجية قد يواجهونها، وفرض حقوقهم على الآخرين، والتحكّم بالمشاعر السلبية، بالإضافة إلى التعاطف مع الآخرين وتقدير وجهة نظرهم. في حال لم يتدخّل الأهل في الشجارات بين أولادهم، قد تتحوّل السلوكيات غير اللائقة إلى عادة يصعب الإقلاع عنها. وسرعان ما يلجأ الأولاد إلى هذا السلوك لحلّ الصراعات مع الأصدقاء والأقارب في سنّهم. يؤّدي الاعتماد على هذه السلوكيات غير اللائقة إلى مشاكل اجتماعية يواجهها الأولاد في المدرسة والمجتمع. أخطاء شائعة يرتكبها الأهل • تجاهل الصراعات المحتدمة بين الأخوة وتمريرها مرور الكرام. • الفشل في تلقين الأولاد دروساً لحلّ المشاكل والصراعات بين الأخوة. • فشل الأهل في أن يكونوا نموذجاً ماهراً لحلّ النزاعات بين الأولاد. • التمييز الدائم بين الأولاد، وتفضيل ولد على الآخر. • توقّع الكثير من الولد الأكبر سنّاً، مقارنة مع الأخ الأصغر. • إلقاء اللوم دوماً على الولد الأكبر عقب الشجار نظراً إلى أنّه أوعى وعليه تفهّم الوضع. • تدليل الطفل الأصغر بصورة دائمة وغير ضرورية أحياناً، والمبالغة في ذلك مع أن الولد الأكبر لم يحظَ ربما بهذا الحنان المفرط. • الفشل في الحفاظ على علاقة طيّبة تجمع الأهل بأطفالهم الأكبر سنّاً وعدم تقديم الرعاية والانتباه اللازمين لهم، خصوصاً بعد مجيء المولود الجديد. • الفشل في تعليم الأولاد كيفية حلّ المسائل العالقة والتحكّم بغضبهم والتأقلم مع مشاعرهم. • إلقاء اللوم دائماً على ولد واحد عقب السجال الأخوي من دون ضمان ما إذا كان لذلك تبرير أم لا. خروج الشجار عن السيطرة يثير الشجار الأخوي الذي يتخطى الحدود ويخرج عن السيطرة مخاوف جديّة. ليس كل سجال بين الإخوة أمراً طبيعياً. قد يكون الصراع مؤذياً وتنتج منه إساءة جسدية ونفسية وعاطفية يرتكبها الولد بحق أخيه. وغالباً ما يمّر مرور الكرام من دون أن تلحظه العائلة والمجتمع. ولكن للحقيقة، قد تنتج منه تأثيرات ضارّة وطويلة الأمد على الضحية، كالاكتئاب والقلق، وسوء تقدير الذات، وانعدام الثقة بالنفس. وعندما يرهب الولد أخاه الأصغر بصورة مستمرة ويجعل منه الضحية، يتعيّن على الأهل التدخّل بصورة طارئة لحلّ المشكلة ومساعدة الشقيقين على تخطّي الأزمة. كذلك لا بدّ لهم من استشارة طبيب نفسي، لا سيما أن الولد الذي يغيظ شقيقه بصورة مستمرّة ويخدعه ويمارس عليه الحيل، يعاني مخاوف سلوكية وعاطفية ولا بدّ له من استشارة الطبيب النفسي والاستفادة من دعمه. في حال أصبح الصراع الإخوي خارج السيطرة، أبقي في ذهنك ما يلي: • تؤثر العلاقة التي تجمع الأهل على علاقة الإخوة ببعضهم، فتكون إمّا محتدمة ومتوترة أو سلسة ولطيفة. • قليلاً ما تنشب الصراعات بين الأولاد عندما يحّل الوالدان النزاعات بشكل مناسب. • تنجح العلاقة بين الإخوة أيضاً عندما يستجيب الأهل لطلبات أولادهم من دون التمييز بينهم.