سلافة جبور-دمشق مجد (13 عاما) ابن مدينة داريا يكره "الطائرة"، فهي التي قتلت أباه أثناء زراعته الأرض لإطعام عائلته التي لا تملك أي مصدر آخر للغذاء، ودمرت مدينته التي لا يعرف غيرها، ويقول إنها أيضا تمنعه من الذهاب إلى المدرسة واللعب وحتى من مشاهدة التلفاز، خوفاً من جحيم قصفها اليومي بالصواريخ والبراميل المتفجرة. يعيش في داريا الواقعة بريف دمشق الغربي والمحاصرة منذ نحو أربعة أعوام، مئات الأطفال الذين لا تختلف حالهم ومخاوفهم عن مجد، حيث لم يعرفوا من الحياة سوى الحرب والدمار والموت بأقسى صوره. وبحسب تقديرات ناشطين، لم يتبق اليوم من سكان داريا -التي كان يقطنها 250 ألفا قبل الحرب- سوى نحو ثمانية آلاف شخص، بينهم أكثر من ألفي امرأة وطفل، وهم يتعرضون يوميا لغارات ألقت حتى اليوم آلاف الصواريخ والقذائف وأكثر من عشرة آلاف برميل متفجر، فضلا عن هجمات الأسلحة المحرمة دوليا كالغازات السامة والنابالم. ولم تغير الهدنة المعقودة بين المعارضة المسلحة وقوات النظام أواخر فبراير/شباط الفائت من حال المدينة كثيرا، فرغم شهودها أياما من الهدوء فإن النظام تابع خلال الأسابيع الماضية استهدافه الممنهج لكافة مقومات الحياة فيها. وشهد يوم الجمعة الماضي خروج المشفى الميداني الوحيد في المدينة من الخدمة بعد إصابته ببراميل النابالم، كما احترقت خلال الأشهر المنصرمة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، واستولت قوات النظام على أراضٍ أخرى في أطرافها، مما يعني تهديد مصدر الغذاء الأساسي لآلاف المدنيين.آثار الدمار الناجم عن القصف بالبراميل المتفجرة على داريا (ناشطون) جوع وقصفوفي حديث للجزيرة نت، قال الناشط الإعلامي أيهم محمد إن جميع المنافذ الإنسانية والطبية مغلقة بشكل تام أمام أهالي داريا الذين يجدون صعوبة في إيجاد مأوى آمن بسبب تدمير نحو 90% من مباني المدينة، وضيق المساحة التي تسيطر عليها المعارضة. وأضاف أن مئات الأطفال والنساء والشيوخ يعانون إصابات بالغة تحتاج رعاية عاجلة، إلا أن نفاد المواد الطبية والأدوية وخروج المشفى الميداني الوحيد من الخدمة يعرضانهم لخطر الموت. ويعتمد سكان داريا على وجبة واحدة في اليوم، مؤلفة غالبا من الحساء أو الحشائش، كما يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب والكهرباء والوقود، فضلا عن تعرضهم لخطر الموت تحت الأنقاض أو بالقنص. وأكد الناشط محمد أن "الجهود الجبارة التي تبذلها الكيانات العاملة داخل المدينة لإنقاذها من الإبادة الجماعية، والحملات الإعلامية والنداءات التي أطلقها كثير من الناشطين لتسليط الضوء على معاناة داريا، تكاد لا تلقى أذناً صاغية لدى المجتمع الدولي".من وقفات ينظمها ناشطو داريا للمطالبة بفك الحصار وإنهاء الحرب (الجزيرة) شعور بالعجزورغم يأس أبو شمس -الذي يعيش مع زوجته وطفليه في المدينة المحاصرة- من أي تحرك ممكن للمجتمع الدولي لإنهاء الحرب في سوريا، فإنه تحدث عن حال أسرته أملا في أن تصل حكايته إلى من يساعده. وأشار أبو شمس إلى حاجة والدته العجوز لعلاج فوري، وحاجة طفلة أخته الرضيعة للغذاء والحليب، مضيفا "نعيش يوميا على وجبة الحساء التي يبكي الأطفال لدى تناولها لأنها لا تنقذهم من إحساسهم بالجوع والحرمان". وغالب الرجل دموعه المنهمرة لينهي حديثه بالقول "أشعر بالعجز عندما لا أستطيع شراء الطعام لأطفالي، وأشعر بالسخط تجاه كل من يدعي الإنسانية دون أن يحرك ساكنا لإنقاذنا من هذه الإبادة الجماعية على يد النظام". الجدير بالذكر أن المعارضة المسلحة توصلت إلى اتفاق مع النظام يقضي بإخراج المدنيين الجمعة من داريا إلى مناطق سيطرة النظام في بلدة صحنايا بريف دمشق، بينما يخرج المقاتلون إلى محافظة إدلب شمالي سوريا، وذلك بضمانات وإشراف الصليب الأحمر الدولي.