أن يصدر بيان عن مكتب الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، ينعى فيه وفاة مصممة الأزياء سونيا ريكييل، فهذا يدل على أن الموضة مؤسسة لها شأن كبير في فرنسا، وأن المصممة التي توفيت عن عمر 86 عاما كانت لها مكانة مهمة في هذه المؤسسة، وهذا ما أشار إليه البيان بالقول إنها «لم تخترع الموضة فحسب، بل اخترعت أسلوبا يعكس متطلبات امرأة عصرية تريد الانطلاق والتحرر من القيود». ورغم أن لغة البيان تتضمن مبالغة ترتبط عادة بأخبار النعي، فإنه لا أحد يُنكر تأثير سونيا ريكييل على الموضة الفرنسية، وعلى أذواقنا. فملكة الحياكة، كما كانت تُعرف، هي التي حببتنا في الصوف عندما منحته مرونة وخفة وألوانا غير مسبوقة. فقد كانت بدايتها في الستينات مع فساتين الحوامل المغزولة بالصوف. فقط طوعت خيوطه، ومنحته مرونة تتيح حرية الحركة، كما تموه على عيوب الجسم، وهو ما كان يخيف المرأة عموما من هذه الخامة. إضافة إلى هذا، اجتهدت في أن تجعله دافئا في الشتاء مُنعشا في الصيف، من دون أن تنسى أن تحقنه بجرعات قوية من الألوان، الأمر الذي أضفى عليه كثيرا من الشقاوة المطبوعة بالأسلوب الباريسي؛ هذا الأسلوب المتوهج الذي ظل مرادفا لاسمها إلى أن تقاعدت مُسلمة المشعل إلى ابنتها ناتالي. ولدت سونيا ريكييل في عام 1930، واشتهرت في ساحة الموضة الفرنسية في بداية الستينات والسبعينات بأسلوبها الخاص أولا، وبشعرها الأحمر البرتقالي ثانيا. ورددت في كثير من مقابلاتها أنها دخلت عالم الموضة بمحض الصدفة، ولم تكن تتوقع النجاح والاستمرار. كانت البداية وهي حامل بمولودتها (ناتالي)، حيث تشجعت على تصميم مجموعة خاصة بالحوامل، طرحتها للبيع في محل يملكه زوجها، فلقيت إقبالا غير متوقع شجعها على الاستمرار. وسرعان ما أصبحت الأزياء وسونيا ريكييل بشعرها البرتقالي المتمرد عنوانا للتمرد، وتجسيدا لتحرر المرأة من التابوهات المتعلقة بالموضة ومفهوم الجمال. وفي عام 1968، افتتحت أول محل لها في باريس، وتحديدا في منطقة «سان جيرمان» البورجوازية، وضمت لائحة زبوناتها نجمات من عيار أودري هيبورن، وبريجيت باردو، وكاثرين دونوف، وغيرهن. وفي السبعينات، وصفتها مجلة «ويمنز وير دايلي» بـ«ملكة الصوف»، وهو اللقب الذي لا تزال محافظة عليه، حتى بعد حصولها على وسام الشرف الفرنسي في عام 2009 لعطاءاتها وتأثيرها في مجال الموضة. ومنذ عامين، أعلنت أنها تعاني من مرض باركينسز منذ 15 عاما تقريبا. تجدر الإشارة إلى أن مواهبها لم تقتصر على التصميم فحسب، حيث شملت أيضًا تأليف القصص، ومنها قصة تتبع حياة فستان، كما ظهرت في لقطة من فيلم «بريت أبورتيه» للمخرج روبرت ألتمان، في عام 1994. والآن، لا تزال ابنتها ناتالي تتبوأ منصبا شرفيا كرئيسة للدار، بعد أن تولت مهمة مديرة فنية لفترة قصيرة شهدت فيها الدار تراجعا في مبيعاتها، الأمر الذي دفع إلى إعادة النظر في بعض الاستراتيجيات وترتيب الأوراق. وكانت النتيجة تولي المصممة جولي دو ليبران هذه المهمة.