عبد اللطيف الزبيدي الجمعة هي الأنسب لهذه التراجيكوميديا. النكتة (من الآراميّة: هنكَوته، بالجيم المصريّة) من المباحث التي حيّرت علماء النفس والاجتماع: هشّة في تكوينها، سريعة الانتقال كالشائعة، شديدة التلوّن، بسهولة تُغيّر شخوصها وجغرافيتها وتاريخ أحداثها، يكاد لا يبقى من مكوّنات أصلها شيء، وتظلّ قدراتها التأثيريّة هي هي، تحتاج إلى جمهور، يُفسدها الطول، تقوم أساساً على التمهيد للمفارقة غير المتوقعة، أي لحظة التفجير المفاجئة. وتكون غير قابلة للفهم، إذا لم يعرف المتلقي ظروفها، الجغرافيّة مثلاً، كقول المحقق للمتهم في آيسلندا: أين كنت في الليلة الواقعة بين العشرين من مارس/آذار والخامس عشر من يوليو/تموز؟ (الليل في القطب الشماليّ ستة أشهر). النكتة قادرة على التطور، قابلة للتحديث ومواكبة العصر. الغرابة الفاجعة هي أن تظلّ فئة من الناس مغرّزة في السذاجة، وغياب المعرفة، جرّاء الأمّيّة والسطحيّة الإدراكيّة، فتقع في فخّ الخرافة والانخداع، متوهّمة أنها على هدى من الدين والإيمان. وسائط التواصل الاجتماعيّ زادت الطين ألف بلّة وبلبلة. أخطر أمّيّة، أمّيّة الأمخاخ العاجزة عن معرفة أنها تسيء بقساوة وعدوانيّة إلى الدين، ولا ترى موقعها من الشطرين: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. طرفة قديمة تسخر من سوء فهم الدين، تقول: من أوصل طرف لسانه إلى أنفه دخل الجنّة. لك أن تتخيّل حركات الفئة الساذجة، حتى ولو كانت الطرفة خيالاً. لكن هذا المشهد تطوّر بتطوّر التقانة، وصار من المحال حمله على محمل النوادر واللطائف، فنحن أمام واقع مواقع التواصل الاجتماعيّ. لا حاجة إلى الذهاب بعيداً بالسؤال: من يقف وراء الإيقاع بالبسطاء في تصديق هذه الحيل، التي لا برهان على خبثها هي بالذات؟ المقلق، هو أن تستخدم في اختبار مدى تجاوب الناس؟ وإلاّ فهي ألعاب فوتوشوب طريفة لا غبار عليها، بل يمكن أن تُعدّ في فنون الغرافيك. إحدى الصور المعالجة، تذكّرك بتماثيل الخيول والثيران المجنّحة والإنسان الحصان وغيرها، في الأساطير والمعتقدات والديانات الوضعيّة. ركّبوا سمكة قرش على جواد، وكان التعليق الوضيع: قطع الله يد ورجل من لم يقل سبحان الله، فتهافت القوم على السبحلة (سبحان الله). صورة أخرى: رجل مدّوا ومطّوا أنفه وشفتيه فصارا منقاراً كمنقار النّحام، وتكرّر الدعاء على من لم يسبحل، فتداعت السبحلات. عدم الاستجابة لهذه المزالق أحفظ للشخصيّة، وأكرم لفهم التعاليم. لزوم ما يلزم: النتيجة اللغويّة: مواقع التواصل الاجتماعيّ، يجب أن تؤخذ بالمعنى اللغويّ أيضاً، فهي مواقع، أي أمكنة للوقوع فيها أرضاً. abuzzabaed@gmail.com