للجغرافيا خصوصية مميزة فيما يتعلق بالتعايش؛ كونها تعني هنا العيش في وطن واحد يظل الجميع لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، كما تعني فيما تعنيه أن تكون المواطنة الميزان الأساس لمن يعيش فيه، لذا فإنه وفي ظل التعايش ينبغي أن تتوارى جميع العناوين الأخرى دينية كانت أو مذهبية أو أيديولوجية أو فكرية ليبقى عنوان واحد وهو الوطن والمواطنة، وما يستتبعه من خضوع الجميع لحكم القانون. ومن الأمور الهامة التي ينبغي أن تحكم هذه القيمة الحضارية تقنينها بمجموعة من التشريعات التي تصون بقاءها واستمراريتها، ذلك أنه وحسب التجارب البشرية في مختلف مناطق العالم، يتبين أن الناس يميلون إلى عدم الالتزام بأي سلوك جديد ما لم تكن في مقابله قوانين للثواب والعقاب. وبالتأكيد هنا لا يمكن أن يقوم التعايش الوطني على القوة والإجبار والقسر، بل يجب أن يكون نابعا من قناعات راسخة لدى أبناء الوطن بالتعايش مهما اختلفوا في مشاربهم وتوجهاتهم الفكرية وهو ما يجب أن تسبقه توعية على مختلف الصعد وبمختلف المستويات من أجل ترسيخ مفهوم التعايش لدى المواطنين بمختلف أعمارهم، بل إنه من الحري بالمواطنين أن يصلوا إلى قناعة بأن يبادروا إلى التفاخر بتنوع أطيافهم وتوجهاتهم، وأن يعتبروه مصدر قوة ومنعة لهم كما هو الحال في الدول المتقدمة. إن الخيار الآخر لإعلاء قيمة المواطنة هو الانقسام والتشظي والضعف والوهن الذي قد يصيب الوطن، وأي تصنيف داخل الوطن قائم على أساس أيديولوجي لا ينتج إلا مزيدا من التشبث بالخصوصية الأيديولوجية، على حساب القيمة العليا المفترضة وهي المواطنة، وفي المقابل بالطبع فإن على كل طيف فكري أو أيديولوجي في الوطن يجب أن يكون عنوانه الأساس هو الوطن والمواطنة وليس عناوينه الجانبية الخاصة، لأن الوطن هو الانتماء الأساس وليس تلك العناوين. وحتى يكون التعايش خبزا يوميا للمواطن السعودي الذي يصادف كل يوم مقيمين من أديان متنوعة في ظل وجود ملايين المقيمين في المملكة من مختلف دول العالم بالإضافة إلى التنوع الداخلي فلابد له من معرفة حتمية وضرورة التعايش، وهو ما يحتاج إلى مران اجتماعي طويل على ذلك يبدأ من المناهج ولا ينتهي بوسائل الإعلام مرورا بقوانين تحافظ على قطار التعايش في سكة الوطن وتردع من يحاول أن يخرجه منها. وما يعزز حالة التعايش المنشودة هو نفسه ما حصل في صدر الإسلام، حيث لم تغر قوة المسلمين في المدينة بالتنمر على ضعافها، ولم تمنعهم كذلك من إرسال المساعدات إلى أعدائهم في مكة المكرمة قبل فتحها عندما أصابتهم مجاعة. كما أن الكثرة العددية في المفهوم الإسلامي لا تغير من القناعة بضرورة التعايش ولا تحرف بوصلة الصراع، كما لا تبدل نمط التعامل مع الآخر، ولا يجب أن تدفع نحو قسر الآخرين على اعتناق ما لا يرغبون فيه أو الضغط عليهم لتغيير قناعاتهم، حيث التعايش هو قبول الآخر المختلف بما هو وكما هو.