داخل مكتب متواضع، على بُعد أميال من مسقط رأسه، مدينة «حلب» السوريّة، يجلس محمد فارس ضمنْ قائمة اللاجئين السوريين، رغم أنه أول سوري ومن أوائل العرب الذين وصلوا إلى الفضاء، لدرجة أنه لُقب بـ «نيل آرمسترونغ العرب»، وسمى مطار وشوارع بإسمه في بلده. ولد الصبي، محمد أحمد فارس، في مدينة «حلب»، عام 1951، وتلقى تعليمه هُناك، حتى جاء عام 1985، اختير فارس ضمن 3 علماء شباب سوريين آخرين، للمشاركة في برنامج التعاون في مجال الفضاء مع الاتحاد السوفييتي، وبحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، نجح فارس في أنّ يكون أول رائد فضاء سوري، وثاني رائد فضاء عربي بعد الأمير سلطان بن سلمان آل سعود. وتمكن فارس من اجتياز الاختبارات والفحوصات الطبية اللازمة للمشاركة في برنامج «يوري غاغارين» للتعاون في مجال الفضاء، وكان الوحيد ضمنْ الفريق السوري القادر على الصعود إلى الفضاء، وهو ما تحقق في سنة 1987 ضمن البرنامج السوفييتي، على متن مركبة الفضاء «سويوز إم 3» وصولاً إلى المحطة الفضائية «مير». وعن ذكريات الرحلة، قال فارس لصحيفة «الغارديان» : «استمرت الرحلة سبعة أيام و23 ساعة وغيرت حياتي، عندما تشاهد كل العالم من خلال نافذتك تغيب السياسة ويتضح لك أنه لا يوجد هم ونحن». وبعد نجاحه في الصعود إلى الفضاء وانجازه خلال رحلته الفضائية الكثير من التجارب العلمية، أصبح فارس نجماً لامعاً في سوريا وسميت باسمه الكثير من الشوارع وأحد المطارات في سوريا، وأراد فارس أن ينشئ مركزاً وطنياً لأبحاث الفضاء لمساعدة السوريين على السير على خطاه، إلا أن الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد رفض طلبه. وأضاف في حديثه إلى الصحيفة البريطانية أن «حافظ الأسد أراد أن يبقي شعبه غير متعلم ومقسم، وضعيف المعارف»، وتابع: «هذه هي الطريقة التي تبقي الحكام المستبدين في السلطة، وكان (الأسد الأب) يعتقد أن إعطاء الناس القدرة على تعلم علوم الفضاء، أمر خطير». وبعد موت رئيس سوريا، استلم بشار ابنُه الحكم في عام 2000، وأصبح فارس مستشارًا عسكريًا بعد أن كان يشغل منصب رئيس «أكاديمية سلاح الجو»، وفي العام 2011، تحديدًا مع اندلاع الثورة السورية، شارك فارس وزوجته في المسيرات السلمية خلال الأشهر الأولى للثورة. كما ذكر: «عندما بدأت الاحتجاجات، كانت سلمية لشهور متتالية، وانضممت أنا وزوجتي إلى الذين ساروا في دمشق ودعوا إلى الإصلاح السلمي». لم تمُر مشاركة فارس في المظاهرات بسلام، حيثُ لاقى انتقادات من قبل المقريين من النظام بسبب مواقفه المعارضة والداعية للإصلاح، وبعد أن بدأ العنف في سوريا، قرر فارس الهروب مع عائلته عبر الطريق البري إلى تركيا في نهاية عام 2012. ويقيم فارس حاليًا في اسطنبول، ويعمل في مكتب متواضع في منطقة الفاتح بالمدينة، والتي يتجمع فيها عدد كبير من السوريين، ومازال فارس يحتفظ بوسام «لينين، بطل الاتحاد السوفييتي»، الذي مُنح له بعد الصعود إلى الفضاء، لكنه رفض التعاون مع روسيا ورفض الدعوات من روسيا بسبب موقفها الداعم لنظام الأسد، قائلاً: «الروس على أيديهم دماء أكثر من 2000 مدني». كما رفض فارس أيضاً دعوات من منظمات مجتمع مدني وحقوق إنسان أوروبية للحصول على وضعية لاجئ في بلدان أخرى بالاتحاد الأوروبي، إذ يعتقد أن هذه الطلبات سوف تستغله سياسياً، يعمل فارس حالياً ضمن المعارضة السورية في تركيا ويقول عن ذلك لصحيفة الغارديان: «حلمي أن أعيش في بلدي وأن أجلس في حديقتي وأشاهد أطفالي يلعبون بسلام دون خوف من القنابل».