جاء تعيين معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أمينًا عامًا لرابطة العالم الإسلامي خلفًا لمعالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي، في توقيت دقيق للغاية يعيشه العالم الإسلامي كله، وتعيش المنطقة العربية من هذا العالم تحديدًا تحديات استثنائية وتمر بأحوال شديدة الصعوبة، قد تفوق ما عاشته أيام غزو التتار، ولم تشهده في عهود الانتداب والاستعمار. وتلك التحديات تتصل وتبنى على هجمة شبة عالمية شرسة على الإسلام السني وعقيدة أهل السنة والجماعة تحديدًا، ووقوف العالم كله تقريبًا إلى جانب القوى الطائفية الصفوية التي تستبيح أرض وعرض أهل السنة والجماعة في العالم العربي، وتسعى إلى تغيير ديموغرافيته وطمس هويته وتبديد ثرواته أو نهبها في ظل خطة إعلامية محكمة لإلصاق الإرهاب بأهل السنة وحدهم باستثمار تنظيمات حقيقية أو وهمية تضرب هنا وهناك مثل داعش التي اقتنع العالم كله أنها تمثل التطرف السني فأصبح العالم كله يحارب أهل السنة ويتهمهم ويضيِّق الخناق عليهم خارج وداخل أوطانهم. وتغيير هذه الصورة النمطية الخطيرة والمخيفة أخاله من مسؤوليات رابطة العالم الإسلامي الأولى، إن لم تكن أهم مسؤولية لها على الإطلاق في هذا التوقيت، وذلك يتحقق بوسيلتين، أولاهما النهوض بالنشاط الإعلامي للرابطة الذي عاش سنوات من الركود حتى إنَّ كثيرًا من الأوساط العالمية لم تسمع عن الرابطة أو تعلم شيئًا عنها، وذلك لأن اعتماد إعلام الرابطة الرئيس ما زال على وسائل الإعلام التقليدي فحسب دون الاستخدام الفاعل لوسائل الإعلام الجديد، ودون السعي الجاد لمخاطبة الآخر بلغته، فالعربية ينبغي أن تكون واحدة من اللغات المستخدمة في إعلام الرابطة، ولا تكون اللغة الوحيدة أو الرئيسة في منطقة إسلامية عالمية تضم دولًا ناطقة بعشرات اللغات الحية، ولابد أن تصل رسالتها إلى هؤلاء جميعًا وإلى الدول غير الإسلامية كذلك عبر اللغات الحية الرئيسة كالإنجليزية والفرنسية والألمانية، وفي الوقت الحاضر لابد من إضافة الفارسية والعبرية، ولابد أن تكثف الجهود الإعلامية لتغيير الصورة النمطية للإسلام عمومًا ولمذهب أهل السنة خصوصًا. ورغم تأسيس الهيئة العالمية للإعلام الإسلامي منذ سنوات طوال إلا أننا لم نشهد حتى الآن تحولًا نوعيًا في نشاطها الإعلامي وبروزًا في الساحة العالمية. أما الوسيلة الثانية التي لابد للرابطة أن تسلكها لمواجهة التحديات المعاصرة فهي تقوية هيئاتها العاملة وإعادتها للعمل بقوة وفاعلية داخل المملكة وخارجها بعد أن حُدَّ من أنشطتها خلال الفترة الماضية، فهذه الهيئات الكبيرة هي أذرعة الرابطة التي تمثلها في كل الأصعدة الإغاثية، والإعلامية والتعليمية، والصحية والعلمية والدعوية، وسوى ذلك، وتتضمَّن هذه الهيئات هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية كبرى هيئات الرابطة وأولاها تأسيسًا وأضخمها موارد وأكثرها مكاتب داخل المملكة وخارجها، ولأمر يريده الله تزامن تولي معالي الدكتور العيسى أمانة رابطة العالم الإسلامي، مع صدور قرار وزارة الخزانة الأمريكية، بتبرئة مكتبي الهيئة في الفلبين وإندونيسيا من تهم دعم الإرهاب، ورفع الحظر عن التحويلات المالية البنكية للهيئة، ما سيسهل قيامها بواجباتها حول العالم تجاه المكلومين والمرضى واللاجئين والأيتام والأرامل، تلك الواجبات التي لم تقصر يومًا في أدائها منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثين عامًا. والهيئة تمثل الوجه المشرق للرابطة خصوصًا وللسعودية عمومًا فيما قدمته وما تزال تقدمه من عون وإغاثة للشعوب الإسلامية في كل القارات. إن العالم الإسلامي يتطلع إلى ما سيضطلع به معالي الدكتور العيسى من مهمات كبيرة وما سيخطوه من خطوات غير مسبوقة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين حول العالم بما عرف عنه خلال خبرته العملية الطويلة في ديوان المظالم ووزارة العدل والديوان الملكي من سعة الأفق والبعد عن التقليدية والنمطية ليقود الرابطة وهيئاتها إلى سابق عهدها من الريادة والقيادة للعمل الإسلامي في العالم الإسلامي كله. Moraif@kau.edu.sa