من أكبر المشاكل التي اتسمت بها المجهودات الحكومية خلال العقود الماضية، انعدام الشفافية في التعامل مع الجمهور، باعتباره صاحب حق في معرفة ما يجري، حيث تولد عن ذلك تفشي الإشاعة من جهة، ومن جهة أخرى التكهن وإطلاق الأحكام العمومية التي ـ غالبا ـ ما كانت ظالمة وغير دقيقة. هذه الحال لا تزال موجودة في بعض الجهات التي ترى نفسها أنها: إما غير مطالبة بتقديم توضيحات للمواطن، أو أنها ـ لاعتبارات معينة ـ فوق المساءلة والتدقيق، فاستمر الهجوم عليها من قبل الإعلام من جهة، ومن قبل المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبح أي إنجاز قد تحققه أمرا غير معترف به وغير مقدر من قبل الناس، فقط، لكون هذه الجهة أو تلك فقدت صلة التواصل والاحترام المتبادل بينها وبين الجمهور، وبالتالي فقدت المصداقية والثقة. من أهم مقومات التنمية الوطنية، وجود مساندة وثقة شعبية للجهود التي تقوم بها الجهات الرسمية التي تعد المحرك الرئيس والـ"ترمومتر" الحقيقي لمدى الإنجاز الذي حقق، فعدم سعادة الفرد وقناعته بأنه كمواطن يتلقى ما يستحقه من خدمات ودعم، سيجعل كل المجهودات التي تبذل مجرد وقائع ومشاريع تتجاذبها الشكوى والتذمر والقول بأن عملا ما دون المستوى. الاعتراف بالتقصير من جهة، والإعلان عن الإنجاز من جهة، والتواصل المستمر والشفاف مع الجمهور باعتباره عقلا مفكرا وصاحب حقوق وعنصرا فاعلا في حركة الوطن، هو السبيل الأمثل للخروج من عنق زجاجة الشكوى المستمرة التي أصبحت ـ للأسف ـ من صفات السعودي أينما وجدته، واللوم ـ دون شك ـ ليس عليه، بل على هؤلاء الذين لازالوا يعتقدون بأن العمل الرسمي ما هو إلا تشريف، في حين أن كل موظف حكومي هو مكلف من أعلى سلطة في البلاد بأداء الخدمة المكلف بها لرفعة الوطن والمواطن. لا بد أن يعي المسؤولون في بعض الجهات التي انسلخت عن رأي المواطن وهمومه، أن عليهم أن يعيدوا ترتيب أولويات عملهم، ومقاييس الإنجاز لديهم، فكل عمل إن لم يلق قبولا من لدن المواطن البسيط، فلن يلقى قبولا من لدن القيادة؛ لأن التوجيهات السامية التي أصبحت اليوم أكثر وضوحا تركز ـ بما لا يدع مجالا للشك ـ على أن مسعى الحكومة الأول والأخير هو سعادة ورضا المواطن، فإن لم يسعد ولم يرض "فكأنك يا مسؤول ماغزيت".