تظل قضية الاقتصاد في منطقة الشرق الأوسط هي الحلقة الأخطر منذ الحرب العراقية الإيرانية لتتصاعد بعد احتلال نظام صدام حسين لدولة الكويت وصولاً إلى ثورات الربيع العربي. كل هذه المحطات ما سبق منها وما هو قائم دشنت لمراحل متزايدة من الانعكاسات الاقتصادية،وذلك من خلال منظومة من العوامل،عندما بدأت برفع بوليصة التأمين على النقل البحري القادم من أوروبا والأمريكيتين إلى الشرق الأوسط ثم توالت هواجس الشركات الحكومية والقطاع الخاص في تلك الدول وغيرها حتى من دول العالم الثالث ضد الاستثمارات في المنطقة العربية واعتبار أي قرار من هذا النوع يشكل مغامرة في جزء غير مستقر من العالم. عالم يلفه الخوف من حروب داخلية وخارجية منها ما هو مع مجموعته..ومنها ما هو مع نفسه في مشهد من التقلبات والصراعات ما بين السياسة والدين.. ونزاعات ولدت من رحم التغيير في صورته ما بعد سقوط حكومات وظهور أخرى لم تصل بعد إلى حد الاستقرار السياسي. وذلك في الوقت الذي يعتبر الأخير هو المحور المهم والضامن للوضع الاقتصادي بما فيه الاستثمارات الأجنبية. وما يعزز هذه المخاوف للمستثمرين ليس فقط الوضع القائم والمضطرب في الشرق الأوسط ..ولكنه أيضاً من عدم اعتراف حكومات جديدة بعقود تم ابرامها مع شركات في عهد الحكومات السابقة وتجيير عملية الإلغاء أو التعطيل إلى خطابات سياسية تحت عناوين الفساد في ملفات الإدانة المسبقة واللاحقة دون أن يكون لمصادر الاستثمارات الخارجية علاقة بالإدارة المحلية وممارسات رؤوس السياسة وأطرافها وأركانها في البلد المضيف. على أن القانون الدولي لا يعطي لأي نظام جديد حق التحلل من اتفاقات النظام السابق.وهنا يمكن القول:إن حال دول الشرق الأوسط في جانبه العربي تحديداً يواجه إشكالية الأمن الاقتصادي في بيئته ذات المخاطر المتعددة وحجم انعكاساتها على موارد الدول ذات الاستقطاب وتحسين مستوى خزينتها المالية من ناحية ومن الناحية الأخرى على مستوى دخل الفرد. صحيح أن دولاً غنية في المنطقة مثل دول الخليج العربي تمتلك وضعاً اقتصادياً جيداً مدعوماً بصناعة نفطية ذات مدخولات منافسة في السوق البترولية واستثمارات شبه آمنة,لكنها ليست ولن تكون بعيدة عن مؤثرات الوضع القائم في المنطقة وذلك لكونها أيضاً ضمن هواجس المنظومة الدولية سواء في قرارات العقود أو رفع تعرفة بوليصة التأمين. وهو ما انعكس على زيادة الأسعار بوتيرة متسارعة لن تستطيع بعض هذه الدول الخليجية معالجتها في زيادة رواتب مواطنيها أمام غلاء الاستهلاك. هذا بالإضافة إلى تحمل هذه الدول أعباء افرازات ونتائج الثورات العربية في الداخل وفي المهجر. وأمام كل هذا وذاك تبرز إشكالية الاقتصاديات العربية أكثر صعوبة منها قبل ربيع الثورات وأكثر خطورة في مواسم القادم الأسوأ,إلا في حالة واحدة وهي أن تقوم المجموعة العربية بإحراق وإتلاف كل أوراقها في جامعتها غير الفاعلة وإقامة منظمة جديدة ترتكز على ميثاق جديد يواكب ظروف المرحلة والدخول على خطوط الصراعات الداخلية والبينية وفرض الأمن والاستقرار.. ومن ثم بناء قواعد اقتصادية من منطلقات واحدة عربية قادرة على تجاوز الأزمات السياسية أولاً وثانياً وعاشراً.