لم تكن المشروعات الحكومية المتعثّرة وليدة اليوم , بل مرّ على هذه المشكلة - مع الأسف - عدة سنوات كانت كفيلة بدراستها ومعالجة أسبابها بشكل مناسب لأنها تتعلق بالتنمية .فالتّعثر على حساب الوطن والمواطنين الذين ينتظرون قيام المشروعات للاستفادة منها في كل القطاعات خاصة في هذه الفترة الماسيّة - إن صحّ التعبير - مع الميزانية التّرليونية ! فبقدر فرحة وابتهاج الشّعب عند إعلانها بداية كل عام مالي بقدر ما تتبخّر الفرحة قبل نهاية العام المالي , وتتحوّل إلى شعور بالأسف لعدم تنفيذ الكثير من المشروعات الحيوية , مما يؤدّي إلى تفويت الفرصة وتأخير المسيرة . ولأن المشاريع المتعثّرة تعوق التنمية وتزيد من خسائر الدّولة وتحرم المواطنين من بعض الخدمات الهامّة , فمن الأهمية حسم الأمر بما يخدم الصالح العام .. لاسيما وأن بعض الوزارات التي تعاني من هذه الإشكالية رصدت جملة من الأسباب التي أوصلت إلى هذه النتيجة , ومنها وزارة الشؤون البلدية والقروية التي تضطلع بالدّور الهام والرئيسي في المدن والقرى بمناطق المملكة . فمن خلال بيانها الإحصائي الأخير أوضحت أن عدد المشروعات المتعثّرة خلال السبع السنوات الماضية بلغ 456 مشروعا إلى جانب 1294 مشروعا متأخرا تمثل في مجموعها نسبة أكثر من 22% من عدد المشروعات. كما فنّدت من جهتها أبرز الأسباب : ومنها احتياج بعض الأمانات للكفاءات المتخصصة في المجالات الفنية مما يلقي باللائمة على وزارة الخدمة المدنية في المقام الأول . فالاحتياج واضح والطلب مستمر والإمكانات عالية . حيث أعلم أن عدد العاملين في أمانة منطقة الباحة على وجه التحديد يقل عن عدد العاملين في بعض البلديات الفرعية بالرياض واحتياجهم قائم منذ عقد ولم يتبدّل الحال . أما السبب الثاني فيتعلّق بالجانب البيروقراطي في العمل الإداري بطول إجراءات سحب المشروعات وإعادة ترسيتها مما يؤدي إلى تردّد المسؤولين من سحبها , مما شجع بعض المقاولين على التمادي في تأخير تنفيذها ! وأوضحت في بيانها قلة عدد مؤسسات وشركات المقاولات المؤهلة في بعض المناطق , إضافة إلى توقف العمل في بعض المشروعات بعد تسليمها لأسباب متعدّدة منها وجود خدمات تحتاج إلى ترحيل في مواقع تنفيذ المشروع , أو النّزاع على ملكيات الأراضي المخصّصة لتلك المشروعات . وقد يكون للوزارات ضلع في السببين الأخيرين . فمن المفترض ألا تقوم بتسليم المواقع قبل التأكد من خلوّها مما ذكر .وربما نسيت الوزارة أن واحداً من الأسباب هو مقاولات الباطن المتتالية , حيث تغنم كبريات الشّركات والمؤسسات بالكثير من المشروعات التي تسلّمها إلى مؤسسات متوسطة وصغيرة غير مقتدرة أحدثت هذه النتيجة المخجلة . كما غفل التقرير عن الأسباب المتعلقة بحقوق المقاولين وتأخر صرفها أحيانا مما يربك العمل تأخيرا وتعطيلا. والوزارة تشكر على أي حال لاهتمامها بهذا الموضوع الذي تشترك فيه معظم الوزارات تقريبا , وتستحق التقدير لبحثها عن الحلول وتقديم المقترحات . لكن المسألة ستظلّ قائمة والمشروعات متأخّرة ما لم يكن هناك قائمة سوداء باسماء الشركات والمؤسسات المتسبّبة في التعثّر . فالحسم لا يكلّفهم كثيرا مقابل المكاسب الكبيرة التي يجنونها من مشروعات حكومية أخرى في نفس الوقت .. كما أن حرمانهم من استلام أي مشروعات تطرح لمدد محدّدة قد يكون مناسبا للحد من هذا التهاون واللاّمبالاة بالوطن . وربما يكون الوقت مناسبا لقيام شركات مساهمة كبيرة للمقاولات , وهي من الأمور المطلوبة في ظل الطفرة الهائلة التي تعيشها المملكة .ولعل الاستفادة من الشركات الأجنبية ربما مفيدة لإكمال البنى التحتية فوجودها المؤقت سيخدم الوطن في هذه المرحلة دون شك وأقرب الأمثلة ما قامت به الشركات الكورية حينذاك بتنفيذ مشروعات الكهرباء في المنطقة الجنوبية فالمشروعات أنجزت والفائدة تحققت والشركات رحلت.