محمد العريان تخيل أن مشروعاً ضخماً يقف على حافة الانهيار، بسبب جشع مالكه الذي لا يهمه غير الربح، فرغم الإلمام الجيد لفريق الإدارة، بدءاً من الرئيس التنفيذي ووصولاً لما هم أقل منه لخطورة الأمر، إلا أنهم يفشلون في الوقوف في وجه مالك المشروع أو يتعرضون للتجاهل، أما العملاء فلا يعرفون شيئاً لحقيقة الأمر ولن يعرفوا إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن يترتب عليه نتائج مدمرة، خاصة للفئة الأكثر فقراً. هذه هي قصة العمل الفني المذهل الذي يتم إعداده على مسرح تشيرنغ كروس ثييتر في لندن، فأثناء مشاهدتي للعمل الفني الاستعراضي الضخم للخطأ البشري الذي تسبب في غرق سفينة عملاقة مثل تايتانك حيث كان يعتقد أن غرقها مستحيل، جال بخاطري، أن ذات النهاية الكارثية قد تحدث ما لم نتعامل بحذر مع منظومة التقاعد العالمية. فمع وصول معدلات الفائدة لمستويات شديدة الانخفاض ووصول الأسهم والسندات لمستويات مرتفعة لم يحدث على مر التاريخ، فإن مسألة إيجاد استثمارات آمنة تضمن فترة تقاعد مريحة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ولذلك يدخل مديرو صناديق التقاعد والمؤسسات الأخرى الشبيهة، الذين يتحملون مسؤولية الاستثمار نيابة عمن سوف يتقاعدون في المستقبل، في موقف صعب، وهكذا يجد هؤلاء المسؤولون أنفسهم مضطرين للدخول في مخاطر أكبر حتى حين تحقيق أهدافهم المقررة - ولكن لن يكون تحقيقها سهلاً ما لم تتم إصلاحات كبرى للسياسات الاقتصادية و الشركات، ولذلك نجد أن الأفراد صاروا يتعرضون لخسائر متزايدة لا يمكن تعويضها سريعاً. عموماً، مستوى الأمن المالي طويل الأمد يكمن ضمانه في حال توفر ثلاثة عناصر: العوائد المستقبلية، والعلاقات الترابطية بين فئات مختلفة من الأصول والتقلبات، ففي الوقت الراهن أصبحت الشكوك تتزايد إزاء المسار المستقبلي للعناصر الثلاثة. ما العوائد التي يتوقعها المستثمرون من المنظور الواقعي؟ مع وجود وصفة لنشاط البنك المركزي وإمكانات اقتصادية ضئيلة تدفع عوائد السندات باتجاه السالب (حصلت حديثاً في المملكة المتحدة)، فإن أسواق الدخل الثابت لم تعد تخلق أي عوائد حقيقية، إلا إذا عرض المرء نفسه إلى مخاطر أكبر من خلال جمع الديون الصادرة عن الشركات وحكومات الأسواق الناشئة، ففي أسواق الأسهم وصلت الأسهم مرتفعة الجودة ذات الربحية العالية لمستويات مخيفة، الأمر الذي غير بعض الخيارات المتقلبة والخطيرة في الوقت ذاته. ورغم أن المستثمرين الأكثر دراية قد يتمكنون من الوصول للمعينات الاستثمارية تسمح لهم بالدخول في مجالات أقل منافسة، فإن اختيار المدير المناسب ليس قراراً سهلاً، خاصة في ظل عالم لم يبق فيه سوى خيارين: مكسب أوخسارة. مبدئياً، بمقدور الوصفة الصحيحة للاستثمارات توفير عوائد أكبر بدل المخاطرة نفسها، إلا أن هذه المسألة قد لا تنجح بدون تحرك الاستثمارات بطريقة منسجمة، في وقت أصبحت فيه العلاقات الترابطية بين فئات الأصول مؤخراً أكثر تقلباً وأقل امكانية بحيث لا يمكن التنبؤ بها، ويعلم المستثمرون المواكبون المساهمون باستثمارات طويلة الأجل أن تنويع المحفظة، على الرغم من ضرورته لم يعد كافياً للتقليل من المجازفة على نحو معقول، غير أن الخطوة العملية التالية ليست سهلة، لأنها تتضمن التنازل عن بعض العوائد المتوقع جنيها. هناك أيضاً مسألة التقلبات التي تزيد فرص تراجع قيمة استثمار ما في الوقت الذي يحتاج فيه متقاعد مستقبلي إلى المال، أبدت البنوك المركزية خلال السنوات الأخيرة استعدادها وقدرتها على كبح جماح التقلبات المالية، أما في الوقت الراهن فقد تغير الوضع حيث تبدو هذه البنوك مثل بنك اليابان المركزي أقل قدرة، في الوقت الذي تبدو بعض البنوك الأخرى مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي أقل استعداداً للقيام بذلك. أما التداعيات بالنسبة لمديري الاستثمارات فإنها تعتمد على المنصة التي يقفون فيها، بمعنى أن المشرفين على خطط التقاعد الخاصة والعامة التي تفتقر إلى التمويل، يواجهون مأزقاً كبيراً على وجه التحديد.