ما يجري في مدينتي الفلوجة والأنبار يمكن أن يحدث في أي مكان آخر من العراق، وهو مرشح للتكرار في مدن أخرى مثل الموصل وديالى أكثر من غيرهما، لأن الوضع في العراق يسير بشكل عام نحو التأزيم والتعقيد إلى الحد الذي وصل فيه الأمر، وكما صرح أحد شيوخ العشائر، إلى أن تنظيم «داعش» قد أصدر عملة مالية تم عرضها من خلال هاتفه الجوال. «دينار داعش» تحدث عنه رئيس مؤتمر «صحوة العراق»، كاشفا عن إصدار عملة خاصة بإمارة الأنبار، معتبرا الأمر دليلا واضحا لكل من ينفي وجوده في الأنبار، وقد انتشر خبره في نشرات الأخبار وتحليلات المراقبين إلى الحد الذي جعل البعض ربما يحلم بأن يكون منافسا لغيره من العملات المعروفة، أو تم اعتباره تحولا خطيرا في الوضع العراقي، وهو لا يعدو أن يكون خبرا يحتمل الصدق أو غيره، لأنه لا يوجد أحد شاهد أو تعامل بهذه العملة، وهي محاولة تبدو ساذجة من أجل حشد مزيد من التأييد للحكومة العراقية، وحتى لو صدرت هذه العملة؛ فما القيمة أو التأثير الذي يمكن أن تحدثه وهي صادرة من جماعة إرهابية لا تجد لها وجودا أو قابلية للحياة إلا في المدن والمناطق التي تضيق فيها فسحة الأمل ويسيطر عليها الموت، وهي في النتيجة عملة صورية لا يمكن التعامل بها لأنها علامة تحد للسلطات العراقية ومحاولة إثبات للوجود. «دينار داعش» لا يختلف كثيرا عن «مسمار جحا» في الحكاية المشهورة التي تحولت إلى مثل معروف يُضرب في اتخاذ الحجة الواهية للوصول إلى الهدف المراد ولو بالباطل.. وأصل الحكاية أن جحا كان يملك دارا باعها من دون أن يفرط فيها تماما، فاشترط على المشتري أن يترك له مسمارا في حائط داخل البيت، فوافق المشتري من دون أن ينتبه إلى هذا الشرط الخبيث الذي سمح لجحا بالتردد على الدار من أجل الاطمئنان على مسماره مرة ومن أجل النوم تحت ظل مسماره مرة أخرى.. الأمر الذي تكرر مرات في أوقات الطعام والنوم، بحيث أصبح شريكا في حياة صاحب الدار الذي وصلت به الحال إلى الهرب وترك الدار لجحا ومسماره. ما حصل لصاحب الدار الذي هرب بسبب مسمار جحا، يحدث أيضا اليوم في الفلوجة والرمادي وكثير من المدن العراقية التي يهرب أهاليها من بيوتهم ومدنهم بسبب الظروف والأحوال المعقدة في مناطقهم، فهذه المناطق التي شهدت قبل أكثر من سنة العديد من المظاهرات والتجمعات السلمية والمطالبات البسيطة في حينها، والتي تحولت إلى ساحات اعتصام في مدن الرمادي والموصل والحويجة وحتى بغداد، تم التعامل معها بكل تجاهل ومماطلة وتسويف حتى وصلت الحال إلى اقتحامها وقتل وإلقاء القبض على كل من وصلت إليه القوات الحكومية، رغم أن هذه المظاهرات وساحات الاعتصام كانت تضم أناسا لهم مطالب بعضها مشروع ومقبول لو جرى التعامل معها بتعقل وحكمة.. لكن التعنت والرفض الحكومي لكل من يخالف، جعل كثيرين يدخلون إلى هذه الساحات من الناقمين على هذه الحكومة، والمتضررين من الوضع الحالي، والعاطلين عن العمل، والإرهابيين الذين لا يجدون لهم سوقا أو رواجا إلا في الأماكن والمناطق الملتهبة والمهمشة. ظن المالكي أنه ربما بواسطة أشخاص وشيوخ زرعهم في تلك المناطق، وهم أشبه بمسمار جحا، يمكن أن يقلب المعادلة ويتحقق له ما يريد، خصوصا أن العراقيين مقبلون على انتخابات قريبة، فكانت هذه العمليات العسكرية التي سبقتها قبل عدة أشهر عمليات واسعة في الصحراء وجرى الإعلان حينها عن إلقاء القبض على معظم قادة وأمراء «القاعدة». «دينار داعش».. دينار وهمي وعملة غير قابلة للحياة، وهو لا يختلف كثيرا عن «مسمار جحا» الذي كان سببا للوصول إلى الهدف المراد ولو بالباطل، وهو يستحق أن نطلق عليه المسمار الذي بواسطته يريد المالكي الوصول والسيطرة على كل ركن وجزء من العراق سواء بالانتخاب أو بالحروب التي لا ينتج عنها إلا الدمار والخراب!! * قاض ونائب المدعي العام إقليم كردستان - العراق