استمع إدريس لكريني احتفى العالم قبل أيام بالشباب، فقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن أعلنت في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 1999 عن تخصيص يوم 14 أغسطس/آب من كل عام. إنها مناسبة لاستحضار مجمل المكتسبات والجهود التي راكمها العالم على طريق تمكين هذه الفئة وتعزيز مكانتها داخل المجتمع، والوقوف على مختلف الإشكالات والصعوبات التي تواجهها على المستوى الصحي والثقافي والاجتماعي والسياسي. تعتبر فئة الشباب أساس كل تقدم، كما أنها شريك أساسي مفترض لتحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ الممارسة الديمقراطية المبنية على التشاركية والانفتاح على مختلف الكفاءات والفعاليات الداعمة لتحقيق مختلف الرهانات داخل المجتمع. تشير التقارير والإحصائيات إلى أن فئة الشباب دون سن الخامسة والعشرين تشكل نسبة مهمة داخل المجتمعات العربية، وهي الفئة الأكثر دينامية وتعلماً وانفتاحاً وتكويناً في مجال التكنولوجيا الحديثة.. حيث أثبتت جدارتها في مختلف المجالات العلمية والعملية، وحققت الكثير من المنجزات والعطاءات.. وفي الوقت الذي ظل شباب المنطقة يقترن في مخيال المواطن العربي في العقود الأخيرة، بعدم مواكبة الشأن العام والبعد عن الواقع، جاء الحراك العربي ليؤكد نضج ووعي هذه الفئة التي هبت مطالبة بالحرية ومكافحة الفساد والاستبداد. وعلى الرغم من ذلك، لا زالت هذه الفئة تعيش على إيقاع التهميش والإقصاء في عدد من المجتمعات.. وكثيرة هي المشكلات التي يعانيها الشباب في المنطقة، فبين ارتفاع نسبة البطالة بحسب العديد من التقارير الصادرة عن مختلف المنظمات والمراكز العلمية العربية والدولية، بنسبة تتجاوز كثيراً المعدلات العالمية الواردة في هذا الخصوص، وتدهور الخدمات التعليمية والصحية، وتدني نسبة المشاركة السياسية.. وهي عوامل تدفع - في الأغلب - الكثير منهم نحو الانكفاء على الذات والشعور بالإحباط، أو الانضمام إلى جماعات وتيارات متطرفة تستغل معضلاتهم الاجتماعية، أو السعي إلى ركوب غمار الهجرة بحثاً عن فضاءات أكثر تحفيزاً وتقديراً لجهودهم وحفظاً لكرامتهم.. إن دعم مكانة الشباب داخل المجتمع استثمار للحاضر والمستقبل، ذلك أن توظيف الطاقة والدينامية التي تميز هذه الفئة المتحمسة، هو مدخل لتحقيق آمالهم وتعزيز مكانتهم داخل المجتمع من جهة، والاستفادة من الإمكانات التي يزخرون بها لتعزيز مسارات التنمية والديمقراطية من جهة أخرى.. إن الاستفادة من طاقات الشباب العربي، تفرض الالتفات إلى تطلعاتهم، وآمالهم في أوطان تحتضنهم وتوفر لهم كل شروط الانطلاق والإبداع والتفجير السليم للطاقات. إن تهميش هذه الفئة، هو خيار مكلف وخاسر بكل المقاييس، وينطوي على قدر كبير من الخطورة، ففي زمن تزايدت فيه المخاطر العابرة للحدود وتطورت تقنيات الاتصال الحديثة، أضحى استقطاب الشباب من قبل العديد من الجماعات المشبوهة أمراً وارداً، بما يشكل أحد العوامل التي يمكن أن تهدد الاستقرار الهش أصلاً في المنطقة، وتعمق الإشكالات التي تعرفها هذه الأخيرة على مختلف الواجهات. ما زالت الثقافة السائدة في المجتمعات العربية تحول دون تمكين الشباب، حيث عدم الثقة بإمكاناتهم، وتغييب المقاربة التشاركية في التعاطي مع الشأن العام. إن الاستفادة من كفاءات الشباب لتحقيق تنمية مستدامة كفيلة بمواجهة التحديات المتزايدة في المنطقة تقتضي استحضار مجموعة من المداخل نرى بأهميتها ونجاعتها في الوقت الراهن.. يرتبط أحد هذه المداخل بتمكين هذه الفئة، وتطوير كفاءاتها بصورة تجعلها واعية بقدراتها وبإمكاناتها. تشير الكثير من التقارير إلى التحاق عدد من الشباب العربي بجماعات متطرفة وإرهابية تنتشر في عدد من مناطق التوتر بالمنطقة، وهو مؤشر يعبر عن وجود اختلالات على مستوى التنشئة الاجتماعية وضعف التأطير والتكوين العلمي والفكري.. لهذه الفئة. وإذا كان التعليم يعتبر أحد أهم المداخل الرئيسية لتحقيق تنمية حقيقية محورها الإنسان، وبوابة لإعمال تنشئة اجتماعية بناءة تدعم الحوار والاختلاف والتعايش والتنافس السلمي، فإن التقارير تشير إلى المأزق الذي تعرفه منظومة التعليم في الأقطار العربية، من حيث عدم مسايرتها للتطورات العلمية، وعدم انفتاحها على محيطها الاجتماعي، بالإضافة إلى اعتمادها مناهج وطرقاً تعليمية جامدة ومتجاوزة، ترتكز في أغلبيتها إلى الحفظ والتلقين والشحن، عوض الفهم والمناقشة والإبداع. إن تقصير عدد من الدول العربية في تطوير هذا القطاع الحيوي، كان حتى وقت قريب مقصوداً، أملته حسابات سياسية تحكمية ضيقة تأكد إفلاسها وخطورتها على الدولة والمجتمع.. ولعل هذا ما يفرض تكثيف الجهود من أجل بلورة سياسة تعليمية عقلانية ومنتجة وخلاقة، تنبني على رؤية استراتيجية متفاعلة مع الواقع المحلي ومع تحديات المحيط، وقادرة على إعداد جيل واعد وواثق من نفسه ومستعد للابتكار والمبادرة.. drisslagrini@yahoo.fr