يحكى أن رجلا ذهب للطبيب وقال له إن زوجتي تعاني من ضعف شديد في السمع. سأله الطبيب: «إلى أي مدى وصل ضعف السمع عند زوجتك؟»، فأجاب الزوج: «لا أعرف بالضبط»! فطلب منه الطبيب أن يعود للبيت ويحاول أن يكتشف إلى أي مدى يجب أن يكون قريبا من زوجته حتى تسمعه. وصل الزوج إلى البيت ووقف عند مدخل الباب ثم صاح: «ماذا أعددتِ للعشاء الليلة؟»، فلم يسمع الزوج ردا. دخل الزوج إلى داخل البيت ثم وقف في الممر وصاح مرة أخرى: «ماذا أعددتِ للعشاء الليلة؟». مرة أخرى لم يسمع الزوج ردا. أخيرا دخل الزوج إلى المطبخ ووقف بجوار زوجته مباشرة ثم سألها مرة أخرى: «ماذا أعددتِ للعشاء؟»، أجابت الزوجة: «دجاج! دجاااج! هذه رابع مرة تسألني ورابع مرة أجيب فيها عليك»!! تذكرني هذه القصة بما يحدث لدى كثير من التجار اليوم ومعاناتهم مع بعض القرارات الحكومية والهجوم الإعلامي الذي يواجهونه وفي «تويتر» والشبكات الاجتماعية بأنهم هم سبب أزمة الإسكان وسبب أزمة البطالة وسبب غلاء الأسعار وسبب ثقب الأوزون أيضا!! فبعض الجهات الحكومية كوزارة البلدية هي أحد أهم الأسباب الرئيسة لأزمة الإسكان، وكذلك وزارة المياه والكهرباء، ثم يقولون إن تجار العقار هم السبب في أزمة الإسكان، وذلك يشبه صاحبنا مع زوجته في القصة التي ذكرتها، حيث يتهم زوجته بأنها لا تسمع، وذهب للطبيب ليعالجها بينما هو الذي لا يسمع!! فمثلا نشرت دراسة تتحدث عن أن 55 في المائة من الأراضي داخل حدود التنمية بمدينة الرياض أراض بيضاء!.. ثم يردد في الإعلام أنه يجب فرض رسوم على الأراضي، وأن العقاريين هم السبب في أزمة الإسكان ويجب تخفيض أسعار الأراضي!! بينما حدود التنمية لمن يعرف ذلك من المتخصصين لا تعني الأحياء الحالية أو القريبة منها، أي النطاق العمراني، وإنما أضعاف المساحة بكثير، فهي تبعد كيلومترات عن أطراف المدينة وليس عن وسطها. وقديما قال أحد الحكماء «لا تقل إنه لم يعرف كيف يجيب عن سؤالك، ولكن اعرف كيف تسأل سؤالا صحيحا». فالسؤال الصحيح: «لماذا ارتفعت أسعار الأراضي؟ ولماذا تحولت الأراضي إلى وعاء استثماري؟ ولماذا متوسط دخل الفرد السعودي لا يتناسب مع حجم الاقتصاد؟»، ولا نعني بمتوسط دخل الفرد أن نحسب حجم الاقتصاد ثم نقسمه على عدد السكان، لأن ذلك ينطبق على الاقتصادات المنتجة، أما في الاقتصاد السعودي فالفرد لا يمثل أكثر من 10 في المائة من الدخل، لأنه اقتصاد ريعي 90 في المائة منه قائم على النفط! وهذا أحد أكبر أسباب أزمتي الإسكان والبطالة، فلو كان الفرد منتجا لزاد دخله واستطاع تملك مسكنه مثل بقية دول العشرين التي تدخل المملكة ضمنها (مجموعة العشرين أكبر 20 اقتصاد بالعالم) ولو كان الفرد منتجا لما حدثت أزمة بطالة، لأن الفرد سيكون موظفا في القطاع الخاص الإنتاجي وليس بالإلزام بالعمل بالقطاع الخاص القائم أغلبه على الاستهلاك «التجزئة والتجارة وغير ذلك». أما الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني فهي مجمدة بسبب النظام الذي أعدته وزارة البلدية عام 1425هـ، والذي حدد النطاق العمراني لكل مدينة، وتوقف بذلك تخطيط الأراضي التي يقال إنها بيضاء حتى يأتي عام 1435هـ الذي نحن في بدايته الآن، وبذلك تكون الأراضي جمدت لعشر سنوات بقرار من البلدية وليس من تجار العقار، ثم يردد في الإعلام وفي «تويتر» أن التجار هم السبب، وفعلا هم لا يسمعون مثل زوجة صاحبنا في القصة ويجب أن يعالجهم الطبيب بالكي ربما!! وليس للتاجر الغلبان إلا أن يردد بيت صاحبنا المتنبي: «يا أعدلَ الناس إلا في مُعاملتي فيك الخِصامُ وأنتَ الخصمُ والحكَمُ»! * كاتب ورجل أعمال