وجّه وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل كلمته في بداية هذا العام الدراسي في المملكة والذي بدأ الأحد الماضي 31 أغسطس 2014 . وقد وجّهها لجميع فئات المجتمع التعليمي من طلاب ومعلمين وعاملين وأهالٍ، وأكد فيها على عدة محاور أساسية للعملية التعليمية، أولها تقدير العطاء السخي من الدولة لدعم التعليم، ثم تحديد مهمة التعليم في أهم وظيفتين هما: التربية بمفهومها القيمي الشامل، والثانية العناية بالتحصيل العلمي الفعلي والتي تعتمد في تنفيذها على المعاول الرئيسية للعملية التعليمية وهي المعلم والطالب والإداري في المدرسة والوزارة. وفي حديثة شدد وزير التربية والتعليم على دور الأُسرة والمدرسة، من خلال إحياء الدور الإيجابي لمجالس الآباء في كلا المهمتين التربوية والتعليمية التي لا يقوم نجاحهما إلاّ على ساقي البيت والمدرسة معاً. وفي هذا على وجه التحديد، أود أن أركِّز مقالتي اليوم، لأنني أعتقد أننا فعلاً نسينا دور الأُسرة ودور الأم ودور الأب في إنجاح تعليم أبنائهما. في الحقيقة حتى لو كان التعليم فاشلاً جداً، وهو كان كذلك في أيامي مثلاً، لكن حين يكون الوالدان والأم على وجه الخصوص في مقدمة الرّكب وفي قيادة واعية ومستمرة لتعليم أبنائهم، فسينجح المركب مهما ارتكبت الدولة من نواقص. من أجمل ذكرياتي كطفلة أنني أتذكّر أنّ أمي، رغم أنها لم تذهب للمدرسة أصلاً، فقد كانت تصر علينا نحن السبعة لنرتِّب شنطنا الدراسية حسب الجدول الذي كان ملصقاً بالجدار (وكان مائلاً بالمناسبة) ولا أزال أتذكّر ذلك. لا أزال استدعي تلك الصباحات الباردة في الغرفة الصغيرة التي كنا ندعوها غرفة الشتاء (هل كنا نمتلك غرفة للصيف)؟ أمي تمشط شعورنا نحن البنات وتعدّ سندوتشات المدرسة بما يوفره الله لها ذلك المساء، وكانت تعمل المستحيل حتى تجعلنا نشعر كما البقية بأننا مكتفون وممتلئون حتى ولو لم نملك شيئاً (أحياناً كانت تحشو سندوتشاتنا بالبطاطس حين لا تملك البيض أو الزيتون أو الجبنة التي كانت شيئاً فاخراً آنذاك)! وكانت البنات في المدرسة ينظرن إليّ بدهشة وإنني فعلاً أملك شيئاً متميزاً وكله من قلة الحيلة، ولكن الأم العظيمة دائماً تجعل النقص في عيون أبنائها كمالاً وهي أمي! هل نتذكّر أي شيء كأمهات لهذا الجيل؟ هل يتذكّر أطفالنا وجوهنا ونحن نوقظهم الساعة السادسة كما كانت والدتي تفعل ذلك؟ أم هي الخادمة والسائق من يتولى إيقاظهم وإيصالهم إلى المدرسة ونحن نيام؟ اللعبة المفضّلة اليوم لأطفال الروضة السعودية هي لعبة الخادمة والسائق؟ وفي ركن الأُسرة (الروضة في الغالب تتبع ما يسمّي في رياض الأطفال بنظام الأركان: ركن للمكتبة. ركن للعلوم. ركن الأُسرة. وأهم الموجود في هذا الركن الأخير، كما تشير تجارب معلمات رياض الأطفال السعوديات، هما: السائق والشغالة؟ لماذا؟ لأننا كجيل رضينا أن نستبدل أدورانا كآباء وأمهات ونقدمه للغرباء ليرعوا أطفالنا في ما نحصل نحن على نوم زائد أو قيلولة طويلة. لن يقوم للتعليم قائمة ومهما فعلت وزارة التربية والتعليم، أذا لم تستعد الأُسرة السعودية دورها الأساسي في تعليم أبنائها كما في فترة ما قبل الطفرة. الأُسرة هي التي تبني اتجاهات أبنائها نحو التعليم. مشكلة التعليم الكبيرة ليس فقط نقص الإمكانات أو ضعف تأهيل المعلمين وتدريبهم، بل أيضاً ضعف الاتجاهات الإيجابية نحو تعلم شيء جديد ومثير عند أبنائنا، بسبب غياب الأب والأم عن العملية التعليمة وإيكالها للمدرسة أو المعلمين الخصوصيين، فيما ينشغل الوالدان بالعمل وساعاته الطويلة ثم في المساء للشلة والاستراحة والعائلة الكبيرة التي تشمل والديه ووالديها وإخوته وأخواتها .. إلخ من مئات الأشخاص الذين نعتقد بأهميتهم في حياتنا، فننسي واجباتنا الأساسية تجاه الأقربين وهم الأبناء المتروكون لعناية المعلم الخصوصي والسائق والشغالة. إذا لم يجلس الآباء مع أبنائهم ويراجعوا معهم المواد، أو حتى فقط يجلسوا معهم أثناء المراجعة ويعتنوا بأن يداوم أبناؤهم منذ اليوم الأول ويظهروا حرصاً على العملية التعليمية وعلى الواجبات، فلن تتشكّل اتجاهات إيجابية لدى الأبناء بأهمية التعليم وأثره في تحسين حياتهم، وفي بناء مفاهيمهم الرياضية والعلمية واللغوية والدينية والاجتماعية. لا يمكن للأطفال مثلاً أن يتعلموا مفهوماً رياضياً، إذا لم يشعروا بأهميته في حياتهم ويستخدموه، وهذه ليست مهمة المعلم فقط، بل أيضاً الوالدين الذين يعلمون أبناءهم كيف يستخدمون معارفهم في مهارات الحياة اليومية ولماذا؟ يمكن للأم أو الأب أن يكونا مصادر إثراء لأي معرفة مقدمة في المدرسة، من خلال توسيع مدارك المفاهيم المقدمة في المدرسة، فحين يقف الصغير مع أبيه أمام محطة البنزين لتعبئة الوقود ويبدأ الأب في الحديث عن مكونات البنزين وكونها أحد مشتقات البترول (كيف يستخرج ، أو حجم المملكة في منظمة الأوبك، أو ارتفاع استهلاك الوقود المحلي مقارنة بالعالمي، استخدام أرقام مقارنة عن الأسعار ... الخ)، عشرات المواضيع التي توسيع مفاهيم الطفل وكذا الأم وهي في المحل التجاري أو عند ترتيب دولابه أو شراء حذائه. هذا ما نقصده من أهمية تواجد الأب والأم في احتياجات الطفل اليومية وكيف تؤثر فيه بدل الخادمة والسائق. الدعم المجتمعي والأُسري للتغييرات التي تتبنّاها وزارة التربية والتعليم حالياً ضروري جداً، إذ إنّ أحد مشكلات التعليم الحالية الاعتقاد الشائع بأنّ تعليم الأبناء هو مسئولية المدرسة وحدها، ولذا يهرع الآباء لتسجيل أبنائهم في المدارس الأهلية، وهم يعتقدون أنهم بعملهم ليل نهار وبدفعهم لرسوم هذه المدارس، فهي وحدها تتحمل مهمة (تعليم) وليس فقط (تدريس) أبنائهم ومتابعة واجباتهم اليومية! يجب أن نستيقظ كأُسر على أبنائنا قبل أن يسرقهم الجهل أو اللامبالاة أو الإرهاب.