يحاجج كثير من الإخوة في معرض عجز البعض عن تفسير ظاهرة الإرهاب الجديد: من اين يأتي هؤلاء الإرهابيون الصغار؟ فالصحوة التي سادت في الثمانينيات والتسعينيات انتهت ولم يعد ثمة دعاة يجمعون الأطفال واليافعين في المخيمات والرحلات الدعوية والمعسكرات الصيفية وزيارات القبور، ولم تعد جماعات الصحوة تسيطر سيطرة كاملة على المدارس ولم يعد لبس الشماغ بلا عقال وتقصير الثياب موضة الحزب. كيف يخرج شاب صغير لم يتجاوز عمره العشرين سنة ويفجر مسجدا هنا وثكنة هناك؟ من أين ظهر هذا الشاب ومن لقنه ومتى تحقق له ذلك في هذا الزمن القصير (جدا). سبق أن قصصت في إحدى مقالاتي قصة الشاب الذي يلعنني ويلعن الكتاب والصحفيين والصحافة من اساسها. اقصها عليكم لكي تعرفوا من اين جاء صغار الإرهابيين. في احدى الرحلات من تورنتو إلى دبي جلس إلى جانبي شاب صغير لا يتجاوز عمره العشرين عاما، يلبس بنطلون برمودا وقصة شعره على احدث موضة والسماعات في اذنيه، ومن حركاته الطربانة تعرف انه يستمع إلى موسيقى. دخلنا في سواليف طالت مع طول الرحلة، لا أعرف ما الذي قاد الحديث للايدلوجيا فبدأ بشتم الليبراليين وخص منهم عددا من الأسماء. كان اسمي بينهم. لم أخبره من أنا وما هي وظيفتي. حققت معه بطريقة غير مباشرة لأعرف من اين جاءه هذا الموقف المعادي لكل شيء حديث عدا ما يتصل بمتعته. (على قاعدة أحب الصالحين ولست منهم). تبين لي أن هذا الشاب استقى موقفه من البيت. من والده على وجه التحديد. بدأت احقق بطريقة خفية عن تاريخ والده وعن تعليم والده. تبين لي أن والده من شباب الصحوة الذين تم تصنيعهم في المخيمات والمراكز الصيفية والمقابر. دعاة الصحوة استدرجوا آلافا مؤلفة من شباب الثمانينيات والتسعينيات وغسلوا ادمغتهم وشكلوا وجداناتهم واخلاقهم. سعدنا باختفاء الدعوة إلى الصحوة، وإغلاق مراكز البث العلنية التي تستخدم في غسل الدماغ لكن هذه السعادة لم تسمح لنا أن نسأل أين ذهب الشباب الذين تم غسل ادمغتهم؟ بالتأكيد كبروا وأصبحوا آباء. بمعنى آخر الصحوة، انتقلت من المخيمات والمعسكرات والمقابر إلى داخل البيوت. مئات الألوف من الآباء والامهات اليوم هم ثمرة برامج الصحوة. ما الذي يمكن ان ينتجه هؤلاء الآباء من أبناء. نوعان فقط إما مفجرا أو مؤمنا بالصحوة ولكنه محب للحياة فيصبح من (أحب الصالحين ولست منهم). نلاحظ اليوم أن دعاة الصحوة الكبار وفرسانها صاروا فرسان وسائل الإعلام الجديدة. يتسابقون على فتح قنوات، في كل ميدانا تجد يوتيوب انستغرام سناب ..الخ. قنواتهم في غاية الاحترافية والجودة. من الواضح أنهم يستعينون بخبراء في تصميمها وإدارتها. إذاً الصحوة لم تنته. الصحوة دخلت البيوت وتكيفت مع الوسائل الجديدة. الكارثة الأكبر أنه تحسنت الصحوة في ادواتها وفي أهدافها كما يحسن الفيروس وسائل بقائه أثناء مجالدة جهاز المناعة.. رفعت عنها السذاجة القديمة. لم تعد في حاجة إلى زيارات القبور الصباحية وصراخ الكاسيتات أو ملابس الشهرة والتحزب ( ثوب قصير وشماغ بلا عقال). اصبحت جزءا من نسيج المجتمع وليس دعوة. نقلا عن الرياض