ملفت كان تنوع الجلوس حول المائدة التكريمية التي أقامتها السيدة صفية السهيل سفيرة العراق في عمان، للوفد الشعبي الفلسطيني الذي جاء إلى عمان حاملاً مساعدات رمزية من الفلسطينيين المحاصرين بالإرهاب الصهيوني المحتل لبلادهم، إلى إخوانهم العراقيين الذين هجرهم الإرهاب التكفيري من وطنهم العراق، ليلتقي ضحايا الإرهابيين في عمان،جسر الربط بين بغداد والقدس وهمزة الوصل بين مكونات الهلال الخصيب، ورأس الحربة في قتال الأمة ضد الإرهاب والتعصب والتطرف، منذ أن أعلن الأردن أن الحرب على الإرهاب هي حربنا، لأنها أولاً تختطف ديننا وتشوه صورته وصورتنا معه، ولأن الإرهابيين يضعوننا على رأس قائمة أولوياتهم بدليل تفجيرات عمان عام 2004،وما تلاها من محاولات لئيمة لن تكون خلية اربد آخرها، ولن يكون شهيد اربد عريس الوطن راشد الزيود آخر شهدائنا في مواجهتنا للإرهاب والإرهابيين،ولأن الإرهابيين الذين يعيثون فساداً وتفجيراً وذبحاً في أهلنا في سوريا والعراق يزيدون من تفاقم أزمتنا الاقتصادية، ليس بسبب انحياز مئات الألوف من أشقائنا في البلدين إلى أهلهم في الأردن طلباً للأمان، بل لأن هؤلاء الإرهابيين يسدون علينا منافذ الحركة والتواصل مع الكثير من روافدنا الاقتصادية، ويضعفون حركتنا في الاستيراد والتصدير، ويجعلون ماتبقى منها أعلى كلفة، وهو سبب إضافي يجعل من الحرب على الإرهاب حربنا، وهو ما أجمع عليه الذين كانوا يجلسون حول مائدة السيدة صفية على اختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم، وهذه واحدة تؤكد أن تنوع هذا الشرق كان واحدا من أهم أسباب نهوضه الحضاري، في الكثير من فترات التاريخ التي كانت العلاقة بين أبنائه تقوم على أساس المواطنة المؤمنة بالتعددية والتنوع واحترام الرأي والرأي الآخر، تجسيداً لقاعدة «لا إكراه في الدين» وقاعدة «لكم دينكم ولي دين» وقاعدة «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»، ومنذ أن قال رسوله عليه السلام «صهيب سابق الروم وسلمان سابق الفرس وبلال سابق الحبش»، قي ترسيخ نبوي لمبدأ التعددية العرقية التي تساوي بين الناس بصرف النظر عن عرقهم أو لون بشرتهم، مثلما لا تحرم مواطناً من حقه بسبب دينه، والشواهد التاريخية على ذلك أكثر من أن تحصى منذ أن وضع رسول الله وثيقة المدينة المنورة وبنى مجتمعها على أساس التعددية والتنوع وعبر كل فترات نهوضنا الحضاري، حيث كانت أول وصايا القادة لجيوشهم لا تقتلوا طفلاً أو امرأة أو شيخاً أو راهباً انقطع لعبادته، وكان الخليفة يجلد ابن الوالي لأنه اعتدى على مواطن فاز عليه في سباق الخيل، وبسبب هذا الإيمان بالتعددية والتنوع تجاورت في عواصم هذا الشرق ومدنه المساجد والكنائس والكنس ومعابد الصابئة وغيرهم، وتجاور المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي والزرأشتي، في ظلال تعددية قال عنها قرآننا الكريم « إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون» (البقرة)، فأين من هذه القيم النبيلة المبنية على التعدد والتنوع ما يمارسه شذاذ الآفاق من المتعصبين التكفيريين الذين جعلوا من التنوع والتعددية نقمة على هذا الشرق، عندما صاروا يقتلون ويفجرون على الهوية العرقية تارة متناسين قوله عليه السلام «لا فضل لعربي على أعجمي «،وعلى الهوية الدينية تارة أخرى متناسين قوله تعالى «ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»، وعلى الهوية المذهبية تارة ثالثة متناسين قاعدة «من كفر مسلماً فقد كفر» ومتناسين أن أئمة المذاهب تتلمذ بعضهم على يد بعضهم الآخر، وصلى بعضهم خلف بعضهم الآخر، وقاتلوا جميعا صفاً واحدا ضد كل غزاة هذه المنطقة، يوم كان الوعي والنهوض الحضاري عنوانها الذي علينا أن نستعيده ليعود تنوعنا وتعدينا مكونا من مكونات قوتنا وثرائنا الحضاري، لا كما يريده المتطرفون والمتعصبون التكفيريون سببا في فرقتنا وقتلنا لبعضنا البعض، وهذه حقيقة من الحقائق التي أبرزتها وحدة التطلعات والمشاعر للجلوس المتنوع حول مائدة السيدة صفية. الحقيقة الثانية التي ذكرتنا بها الحملة الشعبية الفلسطينية التي جاءت إلى عمان للتضامن مع الأخوة العراقيين، هي أن روابط الإخوة بين أبناء هذه المنطقة أقوى من أن تقضي عليها محن عابرة، وأن الحقائق الكبرى أكبر من أن تطمسها الأحداث الجارية في هذه المنطقة في هذه اللحظة من لحظات تخلفها الحضاري، ومن هذه الحقائق الكبرى التي لا يمكن طمسها هي أن العراق القوي المتماسك هو السند الحقيقي لقضايا شعوب هذه المنطقة، وأن ضعف العراق يؤدي إلى ضعف المنطقة كلها، وإلى تطاول أعدائها عليها من هنا فإن من أول واجباتنا ومهماتنا أن نقف إلى جانب العراق في محنته، وأن نمد له كل عون يساعده لينتصر على الطائفيين والتكفيريين أعداء العراق وأعداء الإنسانية. الراي