اليَقين دَرجة جَميلة مِن دَرجات «الفهم»، إذَا كَان مَبنيًّا عَلَى مَعلُومَات صَحيحة؛ يَقبلها العَقل ويُؤيِّدها النَّقل.. هَذا كَلام لَا جَديد فِيه، ولَكن مَا الجَديد هُنَا..؟! الجَديد هو أَنَّ الإنسَان يُلاحظ في المَجالِس والمُنتديات، والدِّيوانيّات والأُمسيات، أَنَّ بَعض النَاس يَقول كَلَاماً مُرسَلاً، لَيس أكثَر مِن وجهة نَظَر، ولَكن القَائِل يَطرحه بصِيغة الحَقَائق العِلميّة؛ التي لَا تَقبَل الجَدَل..! أكثَر مِن ذَلك: قَد يَطرح أَحدهم مَعلُومَات، وهَذه المَعلُومَات كَانت صَحيحة في يَومٍ مَا، ولَكنَّها تَغيَّرت، فمَثلاً «تشيكسلوفاكيا»، قَبل أكثَر مِن عِشرين عَاماً، كَانت دَولة. أي أَنَّ هَذه المَعلومة كَانت صَحيحة، أمَّا الآن فـ»التشيك» دَولة مُستقلِّة، و»سلوفاكيا» دَولة أُخرَى مُستقلِّة أيضاً، وقَبل التِّسعينيّات، كُنتَ تَستطيع أَنْ تُجزم بوجُود «دَولة الاتّحاد السّوفييتي»، وهَذه أَيضاً مَعلومَة لَا غُبَار عَليها آنذَاك، لَكن اليَوم الاتّحاد السّوفييتي غَير مَوجود، بَعد أَنْ تَفكَّكت تِلك الدَّولَة العُظمَى؛ إلَى حَوالى (15) دَولة..! لقَد قَرأتُ قَبل سَنوَات؛ مُذكّرات الأُستَاذ الدّكتور «محمد حسين هيكل»، فتَعلمتُ مِنهَا شَيئاً مُهمًّا، وهو وجُوب تَحديث المَعلُومَات، ومُراجعتها بشَكلٍ دَوري، حَيثُ يَقول «هيكل»: (كُنتُ تِلميذاً بالمَدرسَة الثَّانوية، وكُنتُ مُعتزًّا أَشد الاعتزَاز بمَعلُومَاتي في اللُّغَة العَربيّة، وأَلقَى عَلينَا أُستَاذ هَذه اللُّغَة يَوماً سُؤالاً، أَجَاب عَليه أَحَد زُملائي إجَابَة استرحتُ إليهَا، مُوقِناً بصحّتها، لَكن الأُستاذ ذَكر أَنَّ زَميلي أَخطَأ، وحِين صَحّح هَذا الخَطأ، أَيقنتُ بأنَّنا يَجب أَنْ لَا نُبَالغ في الاطمئنَان إلَى كُلِّ مَعلُومَاتنا، وأنَّه يَجب عَلينَا أَنْ نُراجِع أَنفسنا؛ مَا بَين حِينٍ وحِين، لنَستَوثق مِن هَذه المَعلُومَات، حَتَّى لَا يَدفعنا الخَطأ في بَعضها، إلَى التَّورُّط مِن بَعد في أَخطاءٍ أُخرَى)..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نَقول: يَا قَوم، تَأكَّدوا أَنَّ المَعلومَات -غَالباً- مِثل عِلبة «التّونَة»، لَها تَاريخ صَلاحية مُحدَّد، ولَا تَصلُح للاستهلَاك في كُلِّ زَمَان..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com