غيث خوري غدت الترجمة عبر مسيرة الحضارات، أحد أهم العلوم الإنسانية التي كانت بمثابة الجسر والدعامة التي ارتكزت إليها عملية التواصل ونقل المعارف والعلوم والفنون بين الشعوب، كما كانت خطى التطور بكل مستوياته مترافقة مع حركات ترجمة كبرى، وأصبحت الترجمة بمختلف اتجاهاتها جزءاً لا يتجزأ من حركة النهوض الثقافي لأي أمة. كان للترجمة الأدبية نصيب كبير عبر التاريخ، حيث تم نقل روائع الأدب العالمي من قصة ورواية وشعر إلى مختلف اللغات، واطلع عليها القراء في كل بقاع الأرض ونهلوا من معينها الفكري والجمالي، وما زالت هذه الحركة كنشاط إبداعي مرتبطة بإنتاج ترجمات جديدة لعيون الأدب العالمي مستمرة في كثير من دول العالم كما يحدث في الصين واليابان والدول الأوروبية، فرغم أن هذه الروائع الأدبية تمت ترجمتها مرات عديدة إلا أن تلك الدول تنطلق من منظور أن إعادة إنتاج هذه الأعمال ضرورة لابد منها، تتحقق فيها عدة وظائف يأتي في مقدمتها تلافي أخطاء الترجمات السابقة إضافة إلى مواكبة الروح الثقافية والفكرية للعصر الراهن وما يرافقها من تغيرات تطرأ على شخصية القارئ. تتمثل أحد مظاهر الأزمة في الترجمة العربية، بالركون في كثير من الأحيان إلى ترجمات أولية تمت لروائع الأدب العالمي ولم تتم مناقشتها أو البحث في مدى صوابيتها ومدى ارتباطها بالنص الأصلي، إضافة إلى أنه من بين مئات الأعمال الأدبية الكلاسيكية العالمية لم يترجم إلى العربية إلا القليل، وبقيت خيارات القارئ العربي محصورة ضمن هذه النسبة. وإذا نظرنا إلى الرواية الطويلة وجدنا أن النقص في الترجمات منها كبير، فلا يكاد القارئ العربي يعثر على كل ما يريد أن يقرأ من هذه الروايات، إضافة إلى ما هو حاصل من تجاهل ترجمة إنتاج الشعوب الإفريقية والآسيوية، حيث لا نجد إلا النزر القليل من إبداعات هذه الشعوب والتي قامت ضمن مشاريع فردية اجتهد أصحابها لنقل ثقافات تلك الشعوب وإبداعاتها. وعلى سبيل المثال تم نقل الروايات الروسية إلى اللغة العربية منذ أوائل القرن العشرين، وبعض هذا النقل لا يصح تسميته ترجمة، ذلك أنه خضع للكثير من الحذف والتغيير والإضافة وخضعت الترجمة لما تمليه الظروف التاريخية في البلد الذي سينشر فيه العمل المترجم، مما كان يفقد الأعمال الأدبية كل مقوماتها الإبداعية الأصيلة، ولنا أن نتصور مدى التشويه الذي يصيب رواية ضخمة كرواية الحرب والسلم التي تتألف من (2920) صفحة وتصدر ترجمة لها في (126) صفحة. لذا، فإن الحاجة اليوم أصبحت ملحة لإعادة الاعتبار لهذه الروائع الأدبية وتصحيح ما لحقها من تشويهات متفاوتة، وسد الثغرات الكبيرة في هذا المجال حتى لا يبقى القارئ محروماً من الاطلاع على هذه الروائع باللغة العربية وبجوهرها الأصيل، في حين يتمتع قارئ الإنجليزية على سبيل المثال بقراءة آداب العالم كله مترجمة إلى لغته. ghaith.khoury86@gmail.com