أنا لا أقول إن زويل مشرك، لا بل هو كافر، ولا يجوز الترحم عليه. بهذه العبارة رد المتشدد، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، الهارب خارج مصر، وجدي غنيم، حينما سأله مذيع قناة مكملين الإخوانية التي تبث من تركيا: هل يجوز لعن الخائن أحمد زويل أم هل يجوز الترحم عليه؟. وتابع غنيم قائلاً إنه يجوز لعن الدكتور زويل، واستشهد على ذلك بآيات قرانية تتكلم عن الكفار والمشركين. كما استشهد بكتاب البيان في كفر من أعان الأميركان للمتشدد السعودي، القابع في السجن حالياً، ناصر الفهد. فصل جديد من فصول فتاوى التكفير، عاد به المتشدد الأهوج وجدي غنيم إلى الواجهة من جديد، بعد أن تصدى للرد عليه عدد من العلماء والكُتّاب والإعلاميين، وأصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية بياناً، ندد فيه بحملات التكفير والتشويه التي تقوم بها بعض التيارات والجماعات ضد رموز الوطن وعلمائه الكبار، مؤكداً أن التكفير دائماً وأبداً هو سلاح المتطرفين للنيل من خصومهم، وتشويه صورتهم، وتبرير الاعتداء عليهم، واغتيالهم مادياً ومعنوياً. وقد كان الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، آخر ضحايا هؤلاء المكفرين، وهم يحاولون اغتياله معنوياً وهو ميت، بعد أن عجزوا عن الارتقاء إلى مكانته العلمية والوطنية حياً، لكنهم لن يستطيعوا ذلك مهما فعلوا، لأن العالم أجمع يعرف من هو الدكتور زويل، عليه رحمة الله، ويعرف مكانته. لم أكن من المتابعين بشكل دقيق لمسيرة الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، قبل وفاته يوم الثاني من أغسطس الجاري، فما كنت أعرفه لم يكن يتعدى الأخبار التي كانت تنشر عنه هنا وهناك، خاصة بعد فوزه عام 1999 بجائزة نوبل للكيمياء، عن اختراعه كاميرا لتحليل الطيف تعمل بسرعة الفمتوثانية، ودراسته للتفاعلات الكيميائية باستخدامها، ليصبح بذلك أول عالم عربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، بعد أن أدخل العالم كله زمناً جديداً لم تكن البشرية تتوقع أن تدركه، لتمكن أصحاب الاختصاص من مراقبة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعل الكيميائي عن طريق تقنية الليزر السريع، لكنني تابعت خلال الأسبوع الماضي عدداً من الحوارات التلفزيونية المسجلة، بثتها بعض القنوات الفضائية المصرية، وكانت قد أجرتها في مناسبات وأوقات مختلفة، فاكتشفت من خلال متابعتي لهذه الحوارات أن الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، لم يكن مجرد عالم عبقري في مجال تخصصه فقط، وإنما كان فيلسوفاً له نظرته في الحياة، ومفكراً وإنساناً بكل ما لهذه الكلمات من معان كبيرة لا يعرفها هؤلاء المتشددون الذين يصدرون فتاواهم من المخابئ التي يقبعون فيها، بعد أن هربوا من بلدانهم التي كادوا يدمرونها بتطرفهم وتشددهم، ولجؤوا إلى بلدان سوف تلفظهم بعد أن تستنفد منهم أغراضها، ويصبحون عبئاً عليها، مثلما هم عبء على بلدانهم والبشرية جمعاء. الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، الذي يكفِّره المتشدد الأهوج وجدي غنيم، لم يهرب من وطنه متخفياً كما فعل غنيم وصحبه، وإنما غادره في وضح النهار، لينهل من منابع العلم ويعود إليه رافعاً رأسه، حاصلاً على تكريم دولي لم يحظ به عالم عربي قبله، حيث نال، بالإضافة إلى جائزة نوبل، 50 درجة دكتوراه فخرية في مجالات العلوم والفنون والفلسفة والقانون والطب والآداب الإنسانية، ومُنِح أكثر من 100 جائزة عالمية، وكان عضواً منتخباً في عدد من الجمعيات والأكاديميات العلمية الدولية، ورشح لعضوية المجلس الاستشاري العلمي للأمم المتحدة. وقد كان بإمكانه، عليه رحمة الله، أن يكتفي بما حققه مادياً ومعنوياً، وأن يعيش خارج وطنه مكرماً معززاً، وليس هارباً طريداً كما يعيش وجدي غنيم وعصابته، لكنه قرر أن يعود إلى وطنه ليستثمر ما حققه في دعم البحث العلمي، فأسس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا التي تُعدّ مشروعاً عصرياً رائداً لتطوير التعلّم والتعليم في مصر، وهي مؤسسة تتمتع بالاستقلالية التامة، ويتم تمويلها عبر التبرعات من الهيئات والأشخاص، وتتركز أهدافها على تعليم النشء العلوم والتكنولوجيا وفق أحدث الأساليب، وتطوير تكنولوجيات جديدة لخدمة البلاد والمناطق المجاورة، وتحقيق نقلة علمية في مصر من خلال الممارسة العملية، والمشاركة في الاقتصاد العالمي القائم على التكنولوجيا محلياً وعالمياً. هذا ما قدمه الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، لوطنه وأمته والبشرية، فماذا قدم وجدي غنيم ودعاة التكفير والقتل واللعن لأوطانهم وأمتهم والبشرية؟ لم يقدموا لها سوى الدمار والخراب، والفتاوى التي تعمل على تفريق الأمة، وتعيدها سنوات إلى الوراء، وتقدمها إلى العالم في صورة قبيحة لا تمتّ بصلة إلى الدين الذي يدّعون أنهم يتحدثون باسمه، ولا تنتمي إلى الأمة التي يدّعون أنهم سينهضون بها كذباً. فما حققه الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، لا يستطيع وجدي غنيم وأمثاله أن يحققوا جزءاً يسيراً منه، حتى لو حكموا العالم، وليس مصر وحدها كما كانوا يحلمون، لأنهم يخططون لأنفسهم فقط، ويحبون أنفسهم فقط، ولا يعرفون إلا الشتم واللعن والكراهية والحقد. لذلك عليهم أن يريحونا ويريحوا العالم وأنفسهم من فتاواهم وآرائهم التي حفظناها، لأن العالم يعرف جيداً من الذي يستحق الدعاء والرحمة، ومن الذي يستحق اللعن، وذلك عندما يقف محصياً ما قدم الدكتور أحمد زويل، عليه رحمة الله، وأمثاله من العلماء للبشرية من أعمال مفيدة، وما قدم وجدي غنيم وأمثاله من دعاة الشر ومثيري الفتن ومشعلي النيران من أعمال مدمرة.