استنكر رئيس تحرير صحيفة تركية يومية كبيرة علنا الضغوط الحكومية الواسعة النطاق على الاعلام في انتقاد صريح على غير المألوف للأسلوب الذي يمارس به رئيس الوزراء طيب اردوغان قيادة البلاد قبل الانتخابات بشهور. ويتعرض اردوغان لبعض من اكبر التحديات التي اعترضت سبيل حكمه المستمر منذ 11 عاما حيث تحاصره فضيحة فساد يعتبرها مؤامرة مدبرة للاطاحة به ويخوض في الوقت نفسه صراعا علنيا مع رجل دين يقيم في الولايات المتحدة ويتمتع برغم ذلك بنفوذ كبير في البلاد ويقول انصاره ان عددهم بالملايين. ورد اردوغان على الفضيحة بعزل الالاف من ضباط الشرطة واعضاء النيابة العامة او نقلهم من مواقع عملهم في محاولة لتخليص القضاء من نفوذ رجل الدين فتح الله كولن وبالعمل على تشديد القيود على الانترنت وهي خطوات يقول منتقدوه انها تبرز ميوله الاستبدادية. وما زال حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه اردوغان اكبر الاحزاب التركية شعبية ويسيطر على معظم أنحاء البلاد ويتوقع على نطاق واسع ان تفضي الانتخابات المتعاقبة التي تبدأ بالانتخابات المحلية في مارس اذار الى تولي اردوغان رئاسة البلاد أو استمراره في رئاسة الحكومة لفترة رابعة. لكن الاستياء المتزايد من أسلوب حكمه الفردي داخل قطاع من المجتمع التركي وهو استياء تفجر الصيف الماضي في صورة احتجاجات مناهضة للحكومة في شوارع المدن أثار القلق بخصوص مدى استقرار البلاد في فترة التحضير للانتخابات. وقال فاتح الطايلي رئيس تحرير صحيفة خبر ترك في مقابلة تلفزيونية مساء امس الاثنين ان الضغوط الحكومية تضع رؤساء تحرير وسائل الاعلام تحت سيف الترهيب وتخلق مناخا لا يستطيعون فيه النشر بحرية. واضاف في المقابلة مع تلفزيون (سي.ان.ان. ترك) "كرامة الصحافة تداس بالأقدام. التعليمات تنهمر كل يوم من جهات شتى. هل تستطيع ان تكتب ما تريد؟ الجميع خائفون." وجاءت تصريحاته بعد تسرب تسجيلات إلى الانترنت يفترض انها لمسؤولين في صحيفته وهم يعدلون التغطية الصحفية ويتلاعبون في نتائج استطلاع للرأي ويفصلون مراسلين تحت ضغوط حكومية. ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة هذه التسجيلات. ونفت الحكومة مرارا التدخل في شؤون الاعلام لكنها لم تعلق على الفور على تصريحات الطايلي. ولم يعلق الطايلي على كل التسريبات لكنه قال ان التسجيل الخاص باستطلاع الرأي والذي تضمن صوته منزوع من سياقه ودافع عن نفسه في مواجهة أي تصور أن مؤسسته هي وحدها التي تتعرض لضغوط حكومية. وقال "الحقيقة المعروفة هي أن كل من يعملون في الاعلام يتعرضون لمثل هذه المواقف... مع الوقت سيتكشف أن الجميع في نفس وضعي." واضاف "هناك ضغوط لكن الأهم هو إلى أي مدى تنعكس هذه الضغوط على الصحيفة... هل أنا مسؤول عن العار الذي تعيش فيه تركيا؟ أنا أحاول أن أنشر صحيفة محترمة قدر الإمكان كل يوم." ويشعر اردوغان بالضغوط على عدة جبهات. ففي أفق الاقتصاد التركي تتجمع نذر عاصفة اذ خفضت وكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني توقعاتها لتركيا يوم الجمعة الماضي مشيرة الى مخاطر تعثر الاقتصاد بعد فترة نمو كبير ويبدو مشروع كبير من مشروعاته المفضلة ويخص انشاء مطار ثالث ضخم لاسطنبول عرضة للتأجيل بحكم قضائي. ويغضب اردوغان لأي قول يصفه بانه غير ديمقراطي اذ يصور نفسه على انه حرر تركيا على مدى السنوات العشر الاخيرة من أغلال قوى لا تخضع لاي محاسبة من الجيش الذي تدخل للاطاحة بأربع حكومات في النصف الثاني من القرن العشرين الى نفوذ كولن أخيرا. ولاقى اردوغان اشادة منذ توليه السلطة عام 2002 لتنفيذه اصلاحات ترمي الى تقريب اوروبا من المعايير الاوروبية ولتحريره الاقتصاد الذي شهد في ظل حكمه نموا لم يسبق له مثيل. وعمل على تصوير الاجراءات الاخيرة في نفس الاطار قائلا ان قرار تشديد القيود على الانترنت الذي اقره البرلمان الاسبوع الماضي ويمكن السلطات من حجب صفحات الانترنت خلال ساعات هدفه الدفاع عن حق الافراد في الخصوصية وليس تكميم افواه منتقدي الحكومة. وقال في اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية اليوم الثلاثاء "كان الاعلام في هذا البلد حتى ما قبل 11 عاما يتصرف على أنه فوق الحكومة حتى... وقد وضعنا حدا لهذه اللعبة." واشار الى وجود "جماعة ضغط" اعلامية مستخدما تعبيره المفضل لوصف كل من يرى أنهم يتآمرون عليه مثل "جماعة ضغط اسعار الفائدة" ويقصد بها مضاربين يسعون للاضرار بالاقتصاد من خلال رفع تكاليف الاقتراض و"جماعة ضغط الوعاظ" ويشير بها إلى أتباع كولن. وقال اردوغان "هذا البلد لم يعد ممكنا ان تحكمه جماعة ضغط اسعار الفائدة وجماعة ضغط الوعاظ وجماعة الضغط الإعلامية." ومع ذلك فلا تزال قطاعات من الاعلام التركي مناوئة للحكومة مثل صحيفتي سوزجو وجموريت العلمانيتين وفي الاونة الاخيرة بدات صحيفتا زمان وبوجون الفريبتان من كولن تصبحان اكثر انتقادا منذ تفجر فضيحة الفساد. لكن وصف الاعلام بأنه يخضع لتدخل الحكومة لن يدهش احدا في تركيا. فهناك ما لا يقل عن 12 صحيفة وعشر محطات تلفزيونية تملكها شركات عملاقة تعمل في مجال الطاقة او التشييد او التعدين وكلها قطاعات تعتمد الى حد بعيد على العقود الحكومية. وسبق ان قال رؤساء تحرير ومحررون انهم تلقوا اتصالات هاتفية من مسؤولين حكوميين يطلبون تغيير التغطية الصحفية او فصل صحفيين. لكنهم لا يتحدثون عادة الا بعد ان يفقدوا وظائفهم. وقال ياووز بيدار وهو من ابرز الصحفيين في تركيا لرويترز "هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها محرر كبير عن هذا لكن الطريقة الحادة التي كرر بها الطايلي قوله.. لست الوحيد في هذا.. تعني ان اعلام المؤسسات بمجمله وعلى مستوى عال يتعرض لضغوط هائلة من اردوغان." وأضاف بيدار وهو كاتب عمود في صحيفة الزمان اليوم القريبة من كولن "لكنني اشك في إمكان الخروج على النمط وهو قيام مديري الاعلام بدور الصندوق الاسود أي احتفاظهم بأسرار الحكومة والشركات لانفسهم." وتابع "المشكلة هي أن رؤساء التحرير في المؤسسات الاعلامية الكبيرة باعوا حريتهم ونزاهتهم بثمن على ما يبدو. وهم يعيشون في أكاذيب وتلاحقهم الحقيقة باستمرار."