سنوات طويلة مضت منذ بدء مطالبة الأدباء والمثقفين بمؤسسة أو هيئة عامة سعودية للكتاب على غرار كثير من الدول العربية. وها هي الأمنية تتحقق اليوم، لكن بشكل أكثر حداثة وواقعية اقتصاديا وثقافيا. إذ يأتي إعلان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي عن إقامة "دار نشر سعودية" تحت مظلة "الهيئة العامة للثقافة" لتدعم إنتاج الشباب والأندية الأدبية وتشارك بدورها في محافل الكتاب ومعارضه كممثل رسمي لصناعة النشر السعودية على اتساع أغراضها وأهدافها. الحديث عن "دار نشر" سعودية وليس هيئة عامة للكتاب أمر محمود في زمن لا يحصر صناعة النشر في "الكتاب" بشكليه الورقي أو الإلكتروني بل تمتد لتحاكي كثيرا من الإنتاج الثقافي والمعرفي افتراضيا وواقعيا. بكل السبل والأدوات الممكنة والمتاحة تأليفا وطباعة وتسويقا. صناعة محتوى متكامل متنامية ومعترف بها محليا ودوليا، اذ تبلغ سوقها السنوية سعوديا بحسب معلومات أخيرة متداولة ما يقارب مليار ريال. فيما الكتاب بمعارضه الدولية والمحلية - التي توصف بأكثر المعارض مبيعا وارتيادا - ليس إلا جزءا من هذه الصناعة الشاملة والقابلة دائما للتنوع والتوسع. إذن الحديث عن دار نشر سعودية تدار بمفهوم القطاع الخاص وباشتراطات سوق النشر المفتوحة وأغراضها المتجددة وفقا لمصادر أولية يبشر برافد ثقافي وتنويري سعودي مهم على مستويات عدة، يمكن إجمالها في النقاط التالية: - أداة قوية ومؤثرة داخليا وخارجيا، بيد الهيئة العامة للثقافة، المعنية بصناعات البلد الثقافية والإعلامية. - تعزيز السياسات الإعلامية السعودية الموضوعة سلفا، عبر المساعدة في نشر وتسويق المحتوى المعبر عن ثقافة الوطن وممثليه من كتاب وأدباء. - فعالية اقتصادية واستقلالية مالية، تجاري متطلبات السوق المفتوحة. وتدعم الاستمرارية في الإنتاج بعيدا عن مفاجآت البيروقراطية التي قد توقف التمويل في أي لحظة دون سابق إنذار. - مرونة رقابية.. أشار الوزير في حديثه الصحافي الأخير إلى ملامحها الأولية، إذ ستعتمد آليات إلكترونية سريعة ودقيقة تهتم بوضع حد للسرقات الفكرية وتوابعها السيئة على حقوق النشر ماديا وأدبيا. صناعة النشر التي تعنى بثالوث مهم وفاعل في أي مجتمع "المؤلف، الناشر، القارئ" تحتاج إلى كثير من الاهتمام باعتراف المثقفين وطلب المهتمين كل في مجاله. لذلك تأتي هذه الخطوة موفقة وبحاجة إلى كثير من الدعم على مستويات عدة، حكومية وشعبية ونخبوية. فهناك الأندية الأدبية التي تعاني الأمرين وفقا لمسؤوليها من أجل طباعة وتسويق كتبها ومنتجاتها الأدبية والثقافية، وهناك أيضا الشباب السعودي، الذي طالما كان صيدا سهلا لاستغلال دور النشر، وطمع بعض الناشرين العرب، في ظل رغبة صادقة وملحة لدى هذه الفئة الطموحة من أبناء وبنات الوطن للكتابة أولا وللطباعة والتسويق ثانيا وثالثا. ومع كل ذلك، يبقى الإنتاج الثقافي الوطني المغاير والمؤثر لا يقف على إقرار وإنشاء بنى تحتية فقط، بل يحتاج إلى تكاتف الجهود، لا تنظيرا حول "ما يجب أن يكون" كما هو شأن كثير من مقالات الرأي والجدل لدينا، ولكن المضي قدما في صناعة محتوى إعلامي وثقافي فارق ومؤثر في معادلة النشر وثقافاته، العربية والعالمية.