أصاب تصويت البريطانيين بالموافقة على انفصال بلادهم عن الاتحاد الاوروبي وصعود نجم المرشح الرئاسي الامريكي دونالد ترامب المساعي التي تبذلها حكومات غربية لتشجيع البنوك الدولية المترددة والعازفة عن التعامل مع ايران بحالة من الشلل. ويعمل غموض الصورة على احباط مساعي طهران لجذب استثمارات أجنبية لتنشيط الاقتصاد المتعثر. ويتمثل هذا الغموض في المستقبل السياسي والاقتصادي لبريطانيا واحتمالات وصول ترامب الذي يريد الغاء الاتفاق النووي مع ايران الى البيت الابيض بل وما اذا كانت البنوك الغربية ستخالف العقوبات الامريكية المفروضة على طهران ان هي نفذت تعاملات مع الجمهورية الاسلامية. وقد أدى فشل ايران في تحقيق الاستفادة الكاملة من النظام المالي العالمي بعد عام من توقيع اتفاقها النووي مع القوى العالمية الكبرى الى تزايد حدة الخلافات السياسية داخليا. كما زاد ذلك من الضغوط على الرئيس حسن روحاني المقبل على انتخابات رئاسية في العام المقبل والذي قامر بالاتفاق النووي في سبيل جلب الاستثمارات الاجنبية للمساهمة في رفع مستويات المعيشة. وبمقتضى الاتفاق رفعت رسميا العقوبات المالية الدولية التي كانت مفروضة على ايران في يناير كانون الثاني الماضي ومع ذلك فلم تقم طهران علاقات مصرفية سوى مع عدد محدود من البنوك والمؤسسات الاجنبية الصغرى. وقال مسؤول ايراني رفيع ان طهران تدرس البدائل المتاحة. وأضاف أن ايران ستواصل العمل مع البنوك والمؤسسات الصغرى ما دامت البنوك الاوروبية الكبرى عازفة عن العودة الى ايران. وتابع المسؤول «تقديرنا أن هذا الغموض سيستمر بضع سنوات. ونحن نجري مباحثات مع دول كثيرة على رأسها الصين وروسيا ودول أفريقية لتوسيع تعاوننا المصرفي بهدف حل المشاكل المصرفية والمالية القائمة». ولا تزال البنوك الامريكية ممنوعة من التعامل مع ايران بمقتضى عقوبات أمريكية مازالت سارية المفعول. كذلك تواجه البنوك الاوروبية مشاكل كبرى على رأسها قواعد تحظر ابرام صفقات مع ايران بالدولار الامريكي واتمامها عبر النظام المالي الامريكي. ومازال التوتر ينتاب البنوك في أعقاب سلسلة من الغرامات الامريكية الضخمة من بينها غرامة قدرها تسعة مليارات دولار على بنك بي.ان.بي باريبا الفرنسي في عام 2014 لاسباب أهمها انتهاك عقوبات مالية أمريكية. وتقول بريطانيا انها مازالت ملتزمة بمعالجة مخاوف البنوك بينما تقول الخزانة الامريكية انها لن تقف في طريق أي تعاملات مشروعة مع ايران. ومع ذلك يعتقد مسؤولون ايرانيون ومصرفيون أجانب أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها بريطانيا بعد الاستفتاء ألهت الحكومات في لندن وعواصم أوروبية أخرى في حين أن احتمال اصابة الاقتصاد البريطاني من جراء ذلك بصدمة قد تدفعه الى الركود زاد من حذر البنوك. وقال مسؤول ايراني رفيع اخر لرويترز «الخوف من العواقب المالية لانفصال بريطانيا جعلها والدول الاوروبية الاخرى أكثر حرصا في التعامل مع إيران. وقد تبنت أغلبها سياسة التريث والانتظار». وأضاف «لدى البنوك والسلطات البريطانية مشكلة كبيرة جدا عليهم مواجهتها منذ الاستفتاء فقد أصبحت أقل اهتماما بايران بل ويمكنني أن أقول غير مهتمة تقريبا. وبالطبع نحن نؤمن أنه مازال بوسعنا العمل مع البنوك البريطانية وقلنا لها ذلك». وتستشهد بنوك أوروبا عموما بالانتخابات الرئاسية الامريكية باعتبارها من عوامل المخاطرة السياسية وتتجنب في الوقت نفسه التصريح تفصيليا بما قد يكون لفوز المرشح الجمهوري ترامب من أثر على أنشطتها. ومع ذلك قال مسؤول ايراني اخر طلب عدم ذكر اسمه ان الانتخابات وما وعد به ترامب من تمزيق الاتفاق النووي مع ايران اذا فاز بالرئاسة كلها عوامل تعمل على تعقيد مساعي طهران. وقال المسؤول «البنوك الاوروبية الكبرى تشعر بالقلق خوفا من نتيجتها الانتخابات. وقد قال لنا مسؤول في بنك ألماني في الاونة الاخيرة أنه لا يمكنهم المجازفة بالتورط في ايران لاسيما في الفترة التي يظل فيها ترامب مرشحا». كما يخشى كثير من البنوك الكبيرة مخالفة ما تبقى من عقوبات أمريكية على ايران بما في ذلك التعامل مع الحرس الثوري الاسلامي الذي يمثل قوة عسكرية تملك مصالح واسعة في قطاع الاعمال من خلال شركات واجهة. وقال مدير مسؤول عن تنفيذ العقوبات في بنك في بريطانيا «يبدو أن رفض البنوك يتزايد لفكرة التعامل مع ايران الان. الامر كله يتعلق بالروابط غير الواضحة مع الحرس الثوري الاسلامي من منظور المجازفة بالسمعة». وفي يونيو قررت وحدة العمل المالي وهي مجموعة عالمية من الوكالات الحكومية المسؤولة عن مكافحة غسل الاموال ابقاء ايران على قائمتها السوداء للدول ذات المخاطر العالية. وقد رحبت الوحدة بما وعدت به ايران من تحسين أدائها ودعت الى وقف العمل ببعض القيود لمدة عام لكن هذا لم يفعل شيئا يذكر للتخفيف من مخاوف البنوك. ومن الصعب تحديد حجم ما حصلت عليه ايران من تمويل منذ رفع العقوبات لكن هذه المبالغ صغيرة بالمعايير الدولية. وقال مسؤول ايراني اخر «بوادر التحسن الاقتصادي الحقيقي لن تتضح قبل عام 2019 بافتراض أن يسير كل شيء بسلاسة. هذه المشكلة تعوق الاقتصاد وتعطل الخطط الاقتصادية للحكومة ولهذا السبب فان الحكومة تتعرض لضغوط كبيرة بوسائل عديدة لحل هذه المشكلة». ويلقي المتشددون في ايران باللوم على روحاني وأنصاره في اخفاق الاتفاق النووي في تحقيق تحسن سريع في مستويات المعيشة في وقت انخفضت فيه أسعار النفط دون أن تصل الاستثمارات الاجنبية الموعودة. وقال مسؤول اخر مقرب من روحاني «على الحكومة أن تحارب على جبهتين - في الداخل وفي الخارج. فخصوم الرئيس يبذلون قصارى جهدهم لاضعافه بانتقاد العيوب وبطء وتيرة التحسن الاقتصادي». والبحث عن البدائل يجري على قدم وساق. وقد زار كبير مستشاري الزعيم الاعلى اية الله علي خامنئي روسيا عدة مرات منذ الاتفاق النووي بينما زار وزير الخارجية محمد جواد ظريف عددا من الدول الافريقية في الايام الاخيرة وأبدت ايران استعدادها لتعزيز التعاون الاقتصادي. وزار الرئيس الصيني شي جين بينغ ايران في يناير كانون الثاني وبحث الفرص التجارية المتاحة. وفي الشهر نفسه قال مسؤول كبير في البنك المركزي الايراني ان بنك الصين الصناعي والتجاري يريد فتح فروع له في ايران. وربما يؤدي الفشل في تنشيط الاقتصاد الى تدعيم موقف المتشددين المعادين للغرب بدرجة أكبر كثيرا من فصيل روحاني. غير أن أي ضغط من حكومات غربية على البنوك للتحرك لم يحقق نتائج تذكر فيما يبدو. وامتنع رويال بنك أوف سكوتلند عن التعليق لكن بنك لويدز قال انه يدرك أن «ايران مازالت بلدا يمثل التعامل معه مخاطر أعلى». وقال بنك ستاندرد اند تشارترد انه لن «يبرم أي تعاملات جديدة تكون ايران أو أي جانب في ايران طرفا فيها». وأكد بنك اتش.اس.بي.سي من جديد انه ليس لديه النية لتنفيذ تعاملات جديدة تتعلق بايران أو أي طرف فيها. وقال مصدر وثيق الصلة ببنك باركليز ان عددا كبيرا من المواطنين الامريكيين يشغلون مناصب كبيرة في البنك وان البنك يقدم خدمات مصرفية أيضا من خلال عملياته الامريكية. وقال المصدر ان ايران تمثل خطرا أكبر فيما يتعلق بغسل الاموال وتمويل الارهاب ولذلك سيظل البنك يقيد التعامل مع ايران. وأكد مدير رفيع ببنك أمريكي عدم اهتمام البنك رغم اختلاف اراء الحكومة الالمانية. وقال «برلين ليست سعيدة بتحفظ البنوك الالمانية في التعامل مع ايران.. واذا لم يحدث تقدم في ايران فالخطر قائم أن تتعرض الحكومة الايرانية لضغوط وأن تصبح اليد العليا للمتشددين. ويجادل المتشددون الايرانيون منذ وقت طويل بأنه لا يمكنك ابرام تعاملات مع الغرب». وقالت متحدثة باسم وزارة الخزانة الامريكية ان المسؤولين في الخزانة لن يقفوا في طريق أي نشاط مسموح به مع ايران. وأشارت الى سفر عدد من المسؤولين الى مختلف أنحاء العالم لتقديم ارشادات للحكومات والشركات والمؤسسات المالية. وفي 12 يوليو تموز قالت وزارة الخارجية البريطانية ان اجتماعا بين البنك المركزي الايراني ووزارة الخزانة الامريكية ومسؤولين بريطانيين وبنوك دولية في لندن قد تأجل. ومما عقد الامور استقالة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في أعقاب استفتاء الانفصال عن الاتحاد الاوروبي وما تلاه من تعديل وزاري أجرته تيريزا ماي التي خلفته في رئاسة الوزراء في 13 يوليو. وقال مصدر غربي «الحكومة الجديدة لديها أولويات أكبر ترتبط بالانفصال عن الاتحاد الاوروبي ومن المرجح أن يحتل الحافز لتسوية المشكلة المصرفية مقعدا خلفيا الان. وستتأثر علاقات ايران أيضا بانتقال مسؤولين الى مناصب أخرى بسبب الانفصال». وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية ان من مصلحة البلدين أن يتم تدعيم التعاملات المشروعة. وأضافت «لا تزال بعض التحديات قائمة لكننا ملتزمون بالعمل على حلها مع الشركاء الدوليين وايران والمجتمع المصرفي». وتأجلت زيارة بعثة تجارية بريطانية لايران في مايو أيار الماضي. وقالت مصادر مصرفية ان السبب في ذلك يرجع جزئيا الى رفض مصرفيين المشاركة فيها. وقال مسؤول بريطاني ان الحكومة الجديدة حريصة على أن تتم هذه الزيارة خلال العام الجاري. لكن المدير المسؤول عن العقوبات في بنك بريطاني أبدى تشككه وقال «سأندهش بدرجة كبيرة اذا قبل أي بنك من البنوك البريطانية الذهاب. فأنا لا أعتقد أن أيا من البنوك يريد المجازفة».