تمر الذكرى الـ15 للفنان السعودي طلال مداح هذه الأيام، في لحظة فارقة على قارعة المشهد السعودي، إذ تتزامن مع عودة «الفنان السعودي» إلى مسرحه الأم بعد غياب يزيد على عقد، بعد أن صعد رفيقه التاريخي محمد عبده يومين متتابعين على خشبة مسرح عكاظ، ملمحاً إلى عودة مياه الغناء إلى مجراها الذي حسم منذ مدة طويلة كادت على إثر ذلك أن تجف الأرض بعد أن فقدت صوتها بموت طلال. يتذكر السعوديون فنانهم، الذي ساعد، إلى جانب آخرين، في تشكيل ما أصبح يسمى لاحقاً بالأغنية السعودية، تجربة تمتاز على مثيلاتها في الوطن العربي، جعلت للمفردة السعودية واللحن المحلي بخصوصيته حضورهما الطاغي والمنافس على الساحة العربية، وربما الدولية، بعد أن أذيعت أغنية لطلال على التلفزيون الفرنسي. يتذكر السعوديون فقيدهم بالدعاء وتداول مقطوعاته الموسيقية الشهيرة، وأخرى رأت النور لتوها بعد أن تلمست طريقها، لتؤكد في كل مرة النبوغ الذي كان يتمتع به طلال مداح وقد سبق سواه إلى ألوان الغناء المتعددة وطرق أبوابه المختلفة. وإذ يتذكر السعوديون فنانهم الأثير فإنها ذكرى تنطوي على حنين إلى الماضي الجميل، يوم كانت الأغنية تجد طريقها إلى المسارح السعودية، وكانت الأذن السعودية أول من يصافح ألحان فناني الوطن ومغناهم قبل أن يسافر ثم يهاجر إلى أجل غير مسمى. كان طلال مداح ابن بيئة متسامحة قبل أن تشاغبها التيارات وتوحل حياة الناس وعفويتهم، إذا حضر الصلاة سأل عن الإمام، وما إذا كان درس المقامات أو نبغ فيها على سجيته كما يقول القارئ المعروف توفيق الصائغ، وإذا وقف أو جلس لاحقاً على خشبة مسرح ما انثنت له الألحان وانجابت له المقامات وكأنها قطعة معدن فاخر بين يدي صائغ ماهر. ولد ابن مكة طلال بن عبد رب الشيخ بن أحمد بن جعفر الجابري في آب (أغسطس) 1940، وتولى تربيته منذ ولادته زوج خالته علي مداح، فسماه طلال مداح وسجل في حفيظة نفوسه وجواز سفره باسم طلال علي مداح. كان له صديق تربى معه منذ الصغر هو محمد رجب، كان من هواة ترديد الأغاني المشهورة في ذلك الحين للموسيقار محمد عبد الوهاب، فبدأ يلقن طلال تلك الأغاني المشهورة ليشاركه في ترديدها معه، كما كان والده عبد رب الشيخ من المجيدين للعزف على آلتي المدروف والسمسمية، فساعدت تلك العوامل مجتمعه في إدخاله مجال الفن وجعله يعشق هذا اللون ويهواه، بل ومردداً له في غالب أوقاته. عُرف طلال مداح بألقاب عدة، منها «الحنجرة الذهبية» و«قيثارة الشرق» و«صوت الأرض» و«فارس الأغنية السعودية» و«فيلسوف النغم الأصيل»، وأطلق عليه الموسيقار المصري المعروف محمد عبدالوهاب «زرياب»، فيما سماه رفيق دربه الفنان محمد عبده «أستاذ الجميع»، وكأنه يعيد إليه بعض تفوقه ويرمز إليه بتسليم تام. ولطلال تأثير هائل في الثقافة العربية في القرن الـ20، وهو رائد الحداثة بالأغنية السعودية. في سنواته الأخيرة عانى من مشكلات في القلب، وانسداد في صماماته، وأجريت له قثطرة للقلب، ونصحه الأطباء بالراحة المطلقة والابتعاد التام عن التدخين، لكنه استمر في أداء الحفلات والغناء حتى توفي يوم الجمعة 11-5-1421هـ، إثر تعرضه لأزمة قلبية وهو على مسرح المفتاحة، وكان للتو بدأ يؤدي وصلته الغنائية بعد موجة تصفيق كبيره استمرت خمس دقائق، وكان يتهيأ لأداء أغنية «الله يرد خطاك» فسقط من على الكرسي الذي كان يجلس عليه، و نقل سريعاً إلى المستشفى، لكن كانت المشيئة الإلهية أسرع وأمضى. ونقل جثمانه للصلاة عليه في المسجد الحرام بمكة المكرمة، ودفن في مقابر المعلاة بمكة المكرمة، وشيّعه أكثر من 100 ألف من محبيه ومعجبيه، كما حضر مراسم العزاء بمدينة جدة عدد كبير من رجال الدولة وعدد كبير من الفنانين والصحافيين.