لا شك أن القرار الملكي الخاص بمعاقبة المحرضين على القتال في الدول المضطربة سوف يحد من هذا الجنون الذي تسبب في ضياع عدد من شبابنا في محارق صراعات أجهزة الاستخبارات الأجنبية، ولكن الردع بقوة القانون قد لا يكون كافيا لمعالجة هذه المسألة المعقدة فمن يقطع كل هذه الدروب الخطرة كي يموت في سيارة مفخخة لن يهتم كثيرا بعقوبة السجن لعدة سنوات، لذلك فإن أفضل وسيلة لمواجهة التحريض على الموت هي ببساطة التحريض على الحياة. لنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف ولو لمرة واحدة أننا نعيش في أجواء فكرية تحتقر الحياة بكل مباهجها وتعظم من شأن الموت وتمنحه قيمة أسطورية شديدة الإغراء، ومثل هذه الأجواء المفخخة يدعي مروجوها الكثر أنهم يستمدون تفاصيلها من الإسلام بينما هم في الواقع يستمدون هذه التفاصيل الكئيبة من فهمهم المتشدد والمقلوب لهذا الدين العظيم. ما قيمة الحياة إذا كانت خالية من كل شيء؟!، وكيف يمكن مقاومة إغراء الموت ما دام يحمل كل هذه المباهج؟، أي معنى لحياة تحارب فيها حتى معارض الكتب؟.. حتى التجول في الأسواق يعد أمرا مثيرا للريبة، أما مهرجانات التراث فهي فرصة للاحتساب العشوائي، كل عمل ثقافي أو فني أو ترفيهي جدير بالمحاربة، كل الآثار موضع شك عظيم، كل نشاط إنساني يمكن أن يصنع ولو ابتسامة صغيرة على وجوه الشباب يحتاج إلى مراجعة وتمحيص، حتى متابعة مباريات كرة القدم لم تسلم من فتاوى التحريم.. فأي حياة هذه التي نظن أن الشباب قادرون على التشبث بها في وقت تسلم فيه كل المنابر لمحاضرين يروجون لدروب الموت الخلابة التي تتزاحم على جوانبها الحور العين؟!. إنها مشكلة فكرية وثقافية قبل أي شيء آخر، قد ينجح الأمنيون في محاصرة المخربين والإرهابيين ومصادرة مخازن السلاح ولكن من بإمكانه اليوم أن يحاصر العقول المظلمة ويفتش مخازن الأفكار المظلمة؟، وهذا كله كوم وإحباطات الحياة اليومية كوم آخر، فقد يقبل الكثير من الشباب بهذه الحياة الكئيبة الخالية من الفرح من أجل الوظيفة والبيت والزوجة ولكن حتى هذه الأمور الأساسية تبدو بعيدة المنال بالنسبة للبعض منهم في زماننا هذا. الحل المؤثر يكمن في التنوير وفتح الشبابيك المغلقة بإحكام كي تمر نسمات الهواء العليل وعدم السماح بمحاربة النشاطات الإنسانية الطبيعية فالشيخ المحرض على الإرهاب هو آخر شخص في السلسلة الطويلة المعقدة التي تجر الشاب جرا إلى لحظة الانتحار، قبل هذا الشيخ رجال كثيرون يدمرون في قلبة أي رغبة حقيقية في هذه الحياة البائسة، لذلك حرضوا الشباب على الحياة كي يكون بإمكانهم مقاومة من يحرضونهم على الموت!.