حين يشير الناس إلى داء انفصام الشخصية، يفكّرون غالباً بالهلوسة والأوهام، وغيرهما من أعراض تضعف المرضى كثيراً. تخيّل أنك لا تستطيع أن تثق بعقلك لتعرف الحقيقة من الوهم؟! هنا نظرة إلى هذا الداء، وإلى أبرز أعراضه ونتائج الدراسات حوله. خلال التحدّث عن حالته، طلب مريض من أحد المعالجين النفسيين أن يفكّر بصورة ما ثم يفترض أنها مُسحت من ذهنه. ما دفع به إلى التساؤل: هل كانت الفكرة فكرتي، أو لم يكن ذلك سوى أحد أعراض انفصام الشخصية؟ قال المعالج النفسي: “في هذه اللحظة، أدركت أن شعوراً فظيعاً ومحبطاً يراود مريض انفصام الشخصية”. ولكن ثمّة أعراض أخرى لانفصام الشخصية أقل شيوعاً وقد تكون خطيرة تماماً مثل الهلوسة والأوهام، أو ربما أكثر. تقول إحدى المريضات، وهي صاحبة مدونة تتناول مواضيع نفسية وطبيعة العيش مع انفصام الشخصية، إن نقص الاندفاع في هذه الحالة مدمّر جداً، مؤكدة افتقارها إلى الحماسة للانخراط في المجتمع، إذ تمرّ أسابيع عدة من دون أن تخرج من منزلها، ولا ترى أحداً سوى زوجها الذي تعيش معه منذ 18 سنة. تقول: «إن رأيتني في إحدى الحفلات، قد تعتقد أنني مثل الآخرين. ولكن بالنسبة إلي، مجرّد الذهاب إلى تلك الحفلة أمر كبير جداً». تعتقد أيضاً أن عدم الاندفاع يعرقل إنتاجيتها. ورغم أنها تكتب مقالات ومدونات ونصوصاً لمختلف المواقع الإلكترونية وتشارك في برنامج كتابة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، لاحظت أن اندفاعها يضمحلّ مع تقدمها بالعمر. في هذا السياق، تذكر إحدى المعالجات إن نقص الاندفاع يُعتبر عارضاً سلبياً من أعراض انفصام الشخصية. (الهلوسة والأوهام من الأعراض الإيجابية). والأعراض السلبية هي غياب المميزات الموجودة لدى المرضى الذين يتمتعون بصحة جيدة، أو وجودها بشكل محدود. وتوضح أن الأعراض السلبية تصيب نحو 30 إلى 50 بالمئة من مرضى انفصام الشخصية، وتقودهم إلى إضاعة كثير من الوقت. على سبيل المثال، قد يكون المريض قادراً على الطبخ والتنظيف، إلا أنه لا يقوم بالمبادرة بنفسه. غياب الاندفاع والمشاعر يواجه المرضى انفصام الشخصية صعوبة في النهوض من السرير والعمل وتعزيز العلاقات وممارسة الهوايات. وتقول المعالجة النفسية: «تشعر أن الحياة باتت أثقل وأصعب حين يكون اندفاعك وطاقتك مقموعين. من ثم، تصبح أقل انخراطاً في الحياة الاجتماعية». كذلك لا يعبّر مرضى انفصام الشخصية كثيراً عن مشاعرهم (عارض سلبي آخر). بينما يشعرون بالسعادة أو الحزن، قد لا تبدو على مظهرهم أي حالة. وكلنا نعرف أن قدرتنا على التعبير عن مشاعرنا أساسية للتواصل مع الآخرين. حين تتقلّص هذه القدرة، يؤثر ذلك كثيراً في حصولنا على الدعم والتعاطف. ويعني ذلك أن مرضى انفصام الشخصية أكثر عرضة للشعور بالوحدة في حياتهم. يدور المصابون بانفصام الشخصية في حلقة مفرغة. وبحسب المعالجين النفسيين، لا تدلّ تعابير وجه المريض على شيء مع غياب المشاعر. ولا تكون لديه مواضيع يرغب في التكلم عنها لذا تجده غير منخرط في الحياة الاجتماعية، ما يسبب الإزعاج للآخرين، ويؤدي إلى رفض التعامل معه. يُذكر أن نسبة المبادرة تقلّ أكثر لدى الأشخاص الذين يعانون الأعراض السلبية. تعاني ليلى من القلق أيضاً. كتبت في مدونتها الخاصة: أعاني غالباً قلقاً يجعلني غير قادرة على القيام بأي فعل سوى محاولة التخلّص من هذا الشعور. ولكن لا أنجح في ذلك قط، وكلّما حاولت أصبحت قلقة أكثر. يفسد ذلك حياتي. في مؤتمر لأحد الكتاب، كان عليّ أن أتخطّى الشعور بالقلق وأخرج من القاعة لوحدي لأخفي الأعراض. حين أرى الأصدقاء وأنخرط في المجتمع، أواجه غالباً حالة خوف تدفعني إلى العودة إلى المنزل فوراً. عموماً، التواجد بالقرب من الآخرين يثير الذعر لديّ، وأتناول دواء لتخطّي هذا الأمر». جنون الارتباك الذي تعانيه ليلى حين تجد نفسها ملزمة لمواجهة مشكلتها أمر شديد الصعوبة. تكتب في المقال عينه: «شعور المريض بالخوف الدائم تجاه كل ما يحاول فعله، ومحاولته جعل الناس يعاملونه بشكل لائق وعادل في هذا العالم، أمران صعبان جداً. كذلك تشعر بالخوف إذ تعتقد أن الآخرين سيعاقبونك لأنك لم توافقهم الرأي. إنها طريقة فظيعة للعيش. لا بدّ من أننا نحتاج إلى نوع من الأمان والراحة والثقة كي نكون سعيدين وبصحة جيدة. أما أنا، فحرمني انفصام الشخصية من هذه الأمور». الأعراض الإدراكية بحسب الدراسات، نحو 95 بالمئة من مرضى انفصام الشخصية يواجهون ضعفاً على الصعيد الإدراكي، ما يعني أنهم غير قادرين على التركيز والانتباه وفهم المعلومة بسرعة وتذكّر الأمور والتخطيط. وبسبب هذه الأعراض، ينسون تنفيذ المهام في العمل وفي المنزل (مثل تسديد الفواتير). ويؤثر عدم القدرة على التخطيط في إتمام المسؤوليات، وتحديد المشاكل وإيجاد الحلول. كشفت البحوث أن الأعراض الإدراكية تتنبأ بأداء الشخص على الصعيدين الاجتماعي والمهني أكثر من الهلوسة والأوهام. على سبيل المثال، كشفت إحدى الدراسات أن الأعراض الإدراكية والأعراض السلبية لدى الأشخاص المعرضين للإصابة باضطراب عقلي كانت العلامات الأقوى التي من شأنها أن تدلّ على نتائج سيئة. ولأن الأعراض الإدراكية (والأعراض السلبية) لا تتجاوب مع الأدوية (تحسّن الأدوية الأعراض الإيجابية)، يستكشف الباحثون علاجات جديدة مثل التمارين الإدراكية التي يبدو أنها تدعم فوائد الأدوية والجلسات النفسية. وبحسب الباحثين، كشفت الدراسة التالي: «على مدى سنتين أو ثلاث، كان المرضى الموظفون الذين يخضعون لبرنامج التمارين الإدراكية أكثر اندفاعاً للحصول على وظائف أخرى، كذلك كانوا يعملون لأسابيع وساعات إضافية ويتقاضون أجراً أكبر، مقارنة بأولئك الذين لم يتبعوا برنامج التمارين الإدراكية». انفصام الشخصية مرض غير متجانس إلى حد كبير، إذ يظهر لدى المريض بعض الأعراض أو كلها أو قليل منها. ولكن أياً كانت الأعراض التي يواجهها المرضى، فإنها ستدمّر حياتهم اليومية. رغم ذلك، مع العلاج والدعم، يمكن أن يعيشوا حياة مثمرة ومنتجة. للأسف، ربما يكون هذا الواقع الأقل شيوعاً على الإطلاق.