تواجه بلدان صناعية ذات قوة اقتصادية هائلة وشفافية عالية معاناة في أوضاعها الاقتصادية، فكيف ببلد يعتمد مدخوله بشكل كبير على مصدر قابل للنضوب؟ ناهيك عن عملية سياسية ما زالت تعتمد على الفرد والقبيلة والطائفة والعائلة؟ فالحل ليس في تصريح أو ترحيل مشاكل، بل في وجود خطة قابلة للتنفيذ تخرجنا من مأزق لن ينجو منه المترددون، والأهم المصداقية في تنفيذها وتنويع مصادر الدخل وتعديل المناهج لتواكب احتياجات البلد من مخرجات التعليم، التي تعزز الانفتاح وإحياء دور الكويت الطبيعي لموقعها الاستراتيجي الذي هو أهم من النفط. هذا الانفتاح يكون بتحويلها إلى مركز مالي، وجعلها نقطة عبور للبضائع، وتعزيز الجانب الاقتصادي والسياسي لديها، وتغليب لغة المصالح الاقتصادية المشتركة بدلا من اللغة الخشبية التي تقودها إلى التطرف والطائفية، وحرب الوكالات. فعززت الكويت استقلالها منذ معاهدة 1899 مع بريطانيا، فلم ترتحل سفنها عبر المحيطات محملة بالبضائع فقط، بل مدججة بالثقافة المتسامحة والمنفتحة على الآخر أيضاً، وما أحوجنا اليوم للترويج للكويت التي تحتوي على كنوز أهمها الإنسان. والبداية تكون بالمصداقية مع المواطن، فحين يرى أن من يمنح المناقصات الضخمة يساهم في دعم المجتمع بمشاريع في الصحة والتعليم والرياضة وحتى الترفية يقتنع هو بالمساهمة، لكن إذا مسّ دخله بما لديه من التزامات متضخمة تعوّد عليها دون أن يرى المصداقية، فلن يصدق أو يقتنع بشيء، لأنه لا يرى مسؤولا فاسدا واحدا خلف القضبان رغم وجود الأدلة؟! كما أنه يرى مشاريع لا تطابق المواصفات وتظهر عيوبها للعيان بلا محاسبة ولا عقوبة، بل إن الشركات نفسها تمنح مناقصات جديدة، ناهيك عن أن التركيبة السكانية التي ليس لها مردود اقتصادي تزداد، ونسبة الجريمة وتجارة المخدرات... إلخ ترتفع، بالإضافة إلى السكوت عن تجار البشر الذين لا تطولهم يد القانون. فالقضية تحتاج إلى كثير من المصداقية، وإلى مواطنين يكونون على قدر المسؤولية، ولا شك أن من يختار الفاسدين للتشريع لا يحق له التنظير والمطالبة بالإصلاح، ومع أن الحكومة تملك كثيراً من الأوراق وكثيراً من الخطط فالكارثة في القرار ومتابعة التنفيذ والمحاسبة. هنالك فقط لن نحتاج إلى "قرطوع" مقابل كيس معكرونة.