في مثل هذا الوقت قبل نحو عامين، كان آخر عهد أسعار النفط فوق المائة دولار للبرميل. وعلى الرغم من أن رحلة الهبوط كانت سريعة، بحيث خسر النفط 50 في المائة من قيمته في أقل من أربعة أشهر، إلا أن رحلة التأقلم مع الوضع الاقتصادي الجديد لم تكن في مثل سرعة انحدار الأسعار. فهذه الرحلة الشاقة تأتي بعد استرخاء دام لعقود طويلة، بدأت مع ثمانينيات القرن الماضي، أدى في نهاية المطاف إلى إدمان الاقتصاد على النفط والدعم والعمالة الرخيصة. صحيح أن أسعار النفط مرت غير مرة بموجات هابطة قاسية، إلا أن أيا منها لم تضع الاقتصاد السعودي على المحك مثلما يحدث هذه المرة. في أزمة التسعينيات لم يكن الاقتصاد بالحجم الذي هو عليه اليوم، وبالتالي فإن الإجراءات البسيطة التي تم اعتمادها من خفض الإنفاق على المشاريع تمكنت من تأجيل المشكلة وإبعادها عن الطريق. ثم جاءت الطفرة الثانية وغطى إنفاقها على مشكلات الاقتصاد المؤجلة، في حين أنه بإنفاقه الرأسمالي المتسارع زاد في اعتماده على النفط والعمالة الرخيصة. ولذلك بات علينا اليوم أن نمر بمخاض شاق للعبور باقتصادنا إلى الاستقرار بعيدا عن تقلبات أسعار النفط. لا أتحدث هنا عن الرؤية أو خطة التحول الوطني، إنما عن الوضع الراهن وكيفية مواجهتنا للإيرادات النفطية المتراجعة على المدى القصير الأجل، أي منذ نحو تسعة أشهر وحتى نهاية العام المقبل. أول الإصلاحات الجذرية كانت في مراجعة آلية الإنفاق الحكومي وترشيده، فالإنفاق الحكومي بجميع أشكاله هو عماد الاقتصاد السعودي. فهو يوظف ثلاثة أرباع المواطنين السعوديين العاملين، أي نحو 3.3 مليون موظف. إضافة إلى اعتماد القطاع الخاص بشكل كبير على المشاريع والمناقصات الحكومية. ولذلك وجب إزالة ترهل الاقتصاد من أصوله، فدورة الأسعار الهابطة التي أصابت النفط ستستمر لفترة طويلة قد تصل إلى أكثر من خمس سنوات. فعلى الرغم من التحسن البسيط الذي انتاب أسعار النفط أخيرا، إلا أن طريق عودة الأسعار إلى ما بين 70 و 80 دولارا ستكون طويلة جدا. الصدمة التي أحدثتها سياسة إزالة الترهل، وليس شد الحزام، كانت عميقة جدا. فالخطوات الضرورية لرفع الدعم للحد من الاستهلاك أثرت في كل منزل. ولكن الأثر السلبي القصير الأمد لا يمكن مقارنته بفوائد الحد من استهلاك الثروة النفطية، إضافة إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية في قطاعات بعيدة عن أسعار الطاقة المنخفضة. ولكن التأثير الأكبر لهذه السياسة كان في قطاعي المصارف والمقاولات. فالمصارف ما زالت تتأقلم بصعوبة مع وضع السيولة المنخفض وتكلفة الإقراض المتصاعدة. أما قطاع المقاولات فكان الأشد تألما من هذه السياسة بعد أن استرخى لآلية عمل ضمنت له عوائد جزيلة في الماضي القريب. أهم الفوائد من الاستمرار في سياسة إزالة الترهل أنها سحبت البساط من تحت الأجزاء المهترئة من الاقتصاد ووضعت المتين منه تحت اختبار تحمل شديد القسوة. ولكن ما سيخرج عن هذه المرحلة والسياسة هو الاقتصاد الكفء القادر على إحداث نقلة نوعية بمستوى خطة التحول. فكما وجدت أسعار النفط القاع بعد عام من الهبوط، فإن باقي قطاعات الاقتصاد السعودي وأهمها باتت قريبة من الوصول إلى أرضيتها الصلبة. *نقلاً عن الاقتصادية