×
محافظة المنطقة الشرقية

في اجتماع الاتحاد برئاسة القناص .. عمان تستضيف بطولة غرب اسيا للكاراتيه ٢٠١٧

صورة الخبر

اكتظت مدن عربية عدة بالسكان على مدى زمني طويل. ودفعت التنمية غير المتوازنة في البلدان العربية الكثير من سكان الأرياف الى التوجه نحو المدن والإقامة فيها، والبحث عن فرص عمل. لكن في ظل إمكانات اقتصادية محدودة وسياسات غير رشيدة، تحولت الهجرة من الريف إلى محنة لأصحابها وتوسعت دائرة الفقر، بما دفع إلى قيام مدن الصفيح والعشوائيات التي خزنت الفقر المدقع. وأدت الأوضاع الاقتصادية والمستويات التعليمية المتواضعة إلى دفع هؤلاء الفقراء إلى التناسل، ما رفع مستويات الخصوبة فوق معدلات النمو السكاني الطبيعية. ويمكن المرء أن يلمس تزايد سكان المدن مثل القاهرة أو الدار البيضاء أو الخرطوم أو دمشق وبغداد على مدى العقود الماضية، بحيث أصبح السكان الأصليون في هذه المدن أقليات لا تذكر بين المهاجرين من الأرياف أو المدن الصغيرة. من أهم أسباب الهجرة ، كما ذكرنا، غياب السياسات الاقتصادية التي تهدف إلى رفع مستويات المعيشة لسكان الأرياف وتحسين أوضاعهم التعليمية والارتقاء بالبنية التحتية والخدمات في مناطقهم... وعندما تبنت الحكومات العربية فلسفة اقتصادية تؤكد كسر الملكية الزراعية وتفتيت الأراضي، أهملت الزراعة وافتقرت أعمال الإنتاج الزراعي الى الإدراة المتمكنة من توظيف عناصر الإنتاج المختلفة، بما فيها العمالة الزراعية والمرتكزة على أسس اقتصادية. نتج من ذلك تدهور في الإنتاج وتراجع في إيرادات المحاصيل. وأوضح تقرير اقتصادي أعده الباحث عادل عبدالغفار لمركز دراسات «بروكنغز» في واشنطن، أن الجهود الأممية لخفض أعداد الذين يعانون من الفقر، أدت إلى خفض هذه الأعداد على المستوى العالمي من 1.9 بليون شخص إلى 836 مليوناً خلال الفترة الممتدة من عام 1990 حتى نهاية عام 2013. لكن البلدان العربية ما زالت عاجزة عن مواجهة أوضاع الفقراء في شكل جاد. وأشار التقرير الى أن نسبة الفقراء الذين يعيشون على دخل لا يزيد عن 1.25 دولار في اليوم، ارتفعت من 4.1 إلى 7.4 في المئة من إجمالي السكان، خلال الفترة من 2010 إلى 2012. وأكد التقرير أن 80 في المئة من سكان سورية يعانون من الفقر، وأن معدلات العمر انخفضت 20 عاماً. وهناك 28 في المئة من الأسر العراقية تعيش تحت خط الفقر. أما اليمن، فقد ارتفعت أعداد الفقراء فيه بمعدلات عالية، من 42 في المئة من إجمالي السكان عام 2009 إلى 54.5 في المئة في 2012. وتقدر نسبة الفقراء في مصر بـ26 في المئة. هذه البيانات تشير إلى أن الأوضاع المعيشية لم تتحسن خلال العقد المنصرم، بل تدهورت وزادت معاناة أعداد كبيرة من السكان العرب في مختلف الدول. لا شك في أن الأحداث السياسية التي جرت منذ بداية هذا العقد، دمرت حياة الملايين من البشر في سورية والعراق والسودان واليمن وليبيا وتونس ومصر. ورحل كثر من المواطنين في سورية والعراق واليمن من مدنهم وقراهم، وفقدوا الثمين من ممتلكاتهم، بما فيها المنازل أحـــياناً والمتاجر والمزارع، وأهم من ذلك فقدوا أعمالهم ووظائـــفهم ومن ثم مصدر رزقهم. ونتج من الصراعات والحروب الأهلية في هذه البلدان أن تعطل الكثير من النشاطات الاقتصادية وتدهورت إيراداتها، ومن هذه النشاطات الصناعات التحويلية والسياحة والخدمات ذات الصلة والأعمال الزراعية. وتوقفت نشاطات الإنشاءات ومشاريع البنية التحتية. يتضح أن تراجع الدخل في شكل مباشر أو غير مباشر زاد أعداد الفقراء في بلدان عربية عدة. وفاقم الأزمة التراجع الحاد في أسعار النفط، والذي لا بد أن ضرب بلداناً عربية منتجة للنفط، سواء كانت رئيسية مثل السعودية والكويت والعراق وليبيا والجزائر أو غير رئيسية مثل مصر وسورية واليمن وتونس، ما عطل البرامج الإنفاقية الحكومية. كما أن البلدان العربية الأخرى غير المنتجة للنفط تأثرت في شكل غير مباشر بعدما تراجعت القروض الميسرة والمساعدات من المؤسسات والدول العربية النفطية. يرى عدد من الاقتصاديين أن مشكلة الفقر في البلدان العربية ناتجة من التوزيع غير العادل للثروة بين السكان. وربما يكون مثل هذا الاجتهاد صحيحاً لكنه يظل قاصراً عن تحديد الأسباب الأخرى للظاهرة. فهناك بلدان عدة في العالم تعاني من التوزيع غير العادل للدخل والثروة. ويشير اقتصاديون في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية إلى إحصاءات تؤكد امتلاك واحد في المئة من السكان نسبة مهمة من ثروة البلاد، وهي نسبة تتباين بين هذه البلدان، وتتم معالجة التباين في المداخيل والثروات من خلال أنظمة ضريبية تهدف إلى ردم ما أمكن من الهوة في التوزيع. لكن تلك البلدان تحفّز الأثرياء لتوسيع نشاطات أعمالهم في مختلف القطاعات الاقتصادية من أجل زيادة التوظيف وخلق فرص للآخرين وخفض أعداد العاطلين من العمل. البلدان العربية في مجملها وفي أشكال متباينة، اعتمدت على قطاع عام متنفذ ويمتلك جل المنشآت والمؤسسات ويوظف غالبية الأيدي العاملة، في حين تراجع دور القطاع الخاص وتقلصت إمكاناته لخلق فرص عمل. ولن تتمكن البلدان العربية من مواجهة قضية الفقر وتدهور مستويات المعيشة من دون تثمير الإمكانات المتاحة للقطاع الخاص وتأهيل القوى العاملة للانخراط في نشاطاته. بيد أن تعزيز دور القطاع الخاص وتوسيع أعماله وزيادة أعداد الوظائف، تتطلب استقراراً سياسياً وتحسّن الأوضاع الأمنية، وأنظمة سياسية ذات شرعية أكيدة.   كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية