يواجه المغاربة قساوة فصل الشتاء بأكلات تقليدية تقاوم برد هذا الفصل وتقي الجسم من الأمراض وخاصة نزلات البرد، ويتغير النمط الغذائي بشكل جذري في المغرب خلال فصل الشتاء، حيث تختفي بعض الأطباق لتحل محلها أطباق القطاني ولحم الرأس و«الكوارع» والكسكس وغيرها من الأكلات الشعبية الدسمة التي دأب المغاربة على تحضيرها في فصل الشتاء. وتعتمد أغلب المناطق الشمالية والوسطى التي تنخفض فيها درجات الحرارة بشكل كبير على وجبات غنية بالسعرات الحرارية والبروتينات التي تمد الجسم بالطاقة والدفء، وتتفنن ربات البيوت في إعداد الأطباق التقليدية كالعدس واللوبيا والفول وتحويلها من أكلات غير محببة بسبب توابلها القوية وأعشابها المنسمة إلى أكلات شهية. ومن أهم الأطباق التي يواجه بها المغاربة فصل الشتاء القارس «الكوارع» و«الرفيسة» وحساء الحلزون وشوربة العدس والفول ورؤوس الأغنام المشوية، وأطباق الحمص والفاصوليا والفول والعدس والسمك المشوي ولحم الأرانب إضافة إلى الكسكس والحريرة والطاجين. وتتميز هذه الأكلات باحتوائها على التوابل والبهارات والمواد الدسمة التي تؤمن للجسم سعرات حرارية مرتفعة وعناصر غذائية متنوعة، وزاد من شعبيتها إقبال الباعة الجائلين على تحضيرها وبيعها من على عرباتهم الجوالة في فصل الشتاء. لذيذة ومشبعة بالدهون وتقول عائشة العباسي - ربة بيت: «إن التقاليد المتوارثة تشجع الأسر على تغيير عاداتها الغذائية في فصل الشتاء لتتناسب مع ما يحتاجه الجسم، وتضيف أن غالب الأكلات التي تحضر في هذا الفصل هي أكلات تقليدية لذيذة ودسمة لكنها صعبة التحضير بسبب كثرة العناصر المستخدمة فيها وطول فترة طهيها لذلك فإن ربات البيوت المحنكات هن الوحيدات القادرات على تحضيرها وفق الوصفة الأصلية». وعن أهم الأطباق الشتوية اللذيذة المشبعة بالدهون التي تحرص المغربيات على إعدادها تقول عائشة: «الأكلات الشعبية الدسمة مرتبطة بهذا الفصل كثيرة أشهرها أكلة كوارع البقر مع الحمص، و«الرفيسة» وهي عبارة عن فطيرة «الرغايف» مع مرق الدجاج وحبة الحلبة وأعشاب أخرى، كما تحضر النساء في الشتاء «العصيدة» مع السمن وتحضر بدقيق الذرة أو الشعير، وأكلة رؤوس الأغنام المشوية وأطباق الفاصوليا والفول والعدس والسمك المشوي ولحم الأرانب وحساء الحلزون وشوربة العدس والفول، إضافة إلى الأطباق المعروفة مثل الكسكس وطاجين اللحم وشوربة الحريرة». أكلات غريبة يعتمد سكان المناطق الباردة على «أكلات غريبة» لمواجهة التغير المناخي والانخفاض الكبير في درجات الحرارة، ومن أشهر هذه الأطباق حساء الحلزون ولحم الخيل، ولم يعد المغاربة يشمئزون من هذه الأطباق الغريبة، بفضل العربات الجائلة التي ساعدت على تقبل المغاربة لهذه الأطعمة، بل وإقبالهم عليها، حيث تنتشر في الأسواق المغربية طول فصل الشتاء عربات بيع الأطباق التقليدية المغربية التي تتميز بارتفاع السعرات الحرارية ومقاومة البرد مثل أطباق رؤوس الأغنام المشوية وحساء الحلزون والذرة المشوية وسندويشات الفول والسمك المشوي. وارتفعت شعبية حساء الحلزون، حيث يسود الاعتقاد بأنه يقاوم البرد ويعالج أمراض الصدر والإمساك والسعال، وتضاعف عدد باعة الحلزون بسبب الإقبال الكبير على أكل هذه الحشرة حتى أصبحت مشاجرات باعته على المواقع الإستراتيجية في الشارع العام أمراً عادياً، فالعربة الواحدة تدر مدخولاً يومياً يصل إلى 600 درهم، وتسبب غزو باعة الحلزون للشوارع في إحجام ربات البيوت عن إعداد هذه الوجبة بسبب صعوبة مراحل طهيه وندرة الحلزون الحي في الأسواق. ورغم انتشار باعة حساء الحلزون في الشوارع الرئيسة والساحات الفارغة والأزقة وأمام المقاهي والأسواق، إلا أن عشاق هذه الأكلة يحرصون على شرائها من التجار المتخصصين الذين يستوردون المادة الأولية من النساء القرويات اللاتي يجمعن حشرة الحلزون من جبال ومرتفعات القرى، فيما يلجأ بعض الباعة الجائلين إلى استعمال الحلزون البحري المليء بالرمال والحصى واغتنام فرصة الإقبال المتزايد على هذه الأكلة لتحقيق أرباح كبيرة. حساء الحلزون لذيذ وصحي يقول علي التاقي الذي كان يلتهم الحلزون ويحتسي مياهه بتلذذ إن حساء الحلزون مفيد وصحي ويتمتع بمذاق خاص، كما أنه يبث الحرارة في الجسم ويساعد على مقاومة نزلات البرد، ويضيف علي أنه لا يستطيع مقاومة الرائحة الزكية المنبعثة من محال وعربات بيع الحلزون المسلوق حتى أصبح استهلاك صحن صغير من حساء الحلزون عادة يومية يمارسها في انتظار الحافلة التي تقله إلى عمله. ويستغرب علي من تقزز بعض المارة من منظر احتسائه للحلزون ويعتبر أن «هذه الأكلة ليست دخيلة على المجتمع المغربي، بل هي أكلة شعبية شهيرة تستهلك حسب تقاليد وأعراف مغربية، المهم أن نختار الباعة المحترفين الذين يحرصون على نظافة العربة وما عليها، ويميزون بين الجيد والرديء». ويصطف أمام عربات بيع الحلزون سياح وزبناء من مختلف الشرائح الاجتماعية يحملون صحوناً صغيرة بها كمية من الحلزون ومياه بنية اللون، ويستغرقون في عملية عزل المادة الغذائية عن القوقعة مستعينين بإبر توضع رهن إشارة الزبون لالتقاط الحشرة من داخل قواقعها ثم يحتسون شرابها الحار، ورغم صعوبة عملية إخراج الحلزون كاملاً من قوقعته إلا أن عشاق هذه الأكلة يعتبرون أن لذة أكل الحلزون تكمن في هذه العملية المعقدة. ويحضر حساء الحلزون حسب تقاليد وأعراف كثيرة، حيث إن استهلاكه وطهيه يختلف من منطقة لأخرى بسبب المواد التحضيرية التي تنضاف إليه، ومنها الأعشاب المنتقاة لتوفير مذاق أفضل واستقطاب أكبر عدد من الزبائن بسبب الرائحة الزكية للأعشاب التي تمنح حساء الحلزون مذاقاً لذيذاً وترفع من قيمته الغذائية. ولطهي الحلزون يقوم البائع بوضع كميات كبيرة من الحلزون داخل إناء مملوء بالماء لبضع ساعات لاستبعاد الميتة التي لا تطل من قواقعها حين تشعر بالماء، ثم يغسلها جيداً حبة حبة، ويضعها في طنجرة كبيرة مع الماء ويتركها على نار هادئة مع تحريكه الخليط باستمرار للتخلص من رغوته، وحين تبدأ بالغليان يضيف الكثير من أنواع الأعشاب المنسمة أهمها الزعتر وحبة حلاوة والينسون والخزامى، وقليل من قشور الرمان وقطع الليمون والملح والفلفل الحار، وبعد ربع ساعة تصبح جاهزة للاستهلاك.