×
محافظة المنطقة الشرقية

#السعودية: كسـاد مفاجئ يضرب سـوق الأغنام المحليـة

صورة الخبر

محمد نورالدين شكلت محاولة الانقلاب الفاشلة التي حاولت الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016 محطة بارزة جداً في سياق العلاقات التركية - الأمريكية. فرغم أن الانقلاب كان من تدبير مجموعة معينة داخل الجيش التركي، ويمكن النظر إليها في إطار الصراع المزمن بين أردوغان وفتح الله غولن، غير أن الانقلابات في تركيا في الأغلب كانت ذات بعد خارجي، والشائع دائماً أنه ليس من انقلاب من دون ضوء أخضر أمريكي، هذا لا يعني بالضرورة أن يكون هذا الانطباع وربما الواقع صالحاً لإسقاطه على التطورات الحالية في تركيا. دفعت جملة من الأحداث العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلى درجة من التوتر غير المسبوقة من دون الجزم بما ستكون عليه لاحقاً على الأقل في بعض التفاصيل والجزئيات. من المعروف أن تركيا تنطلق في علاقاتها مع الولايات المتحدة من كونها أولاً عضواً في حلف شمال الأطلسي، وقد تحققت هذه العضوية في العام 1952 بعد مشاركة قوات تركية في الحرب الكورية إلى جانب قوات أمريكية وغربية أخرى، وكانت المكافأة العضوية التركية في حلف شمال الأطلسي. ومنذ ذلك الحين والعلاقات التركية - الأمريكية يحكمها إطار الحلف واستراتيجياته على الصعيد الدولي. إطار آخر يحكم هذه العلاقات وهي حاجة تركيا إلى الدعم الغربي، الأمريكي خصوصاً، في مواجهة خصوم تركيا الكثر، ولا سيما أولئك الذين يصنفون حضارياً في المعسكر الغربي أو تحديداً المعسكر المسيحي مثل القضية اليونانية والقبرصية والأرمنية، وتستفيد تركيا من استمرار حاجة الغرب إليها لمواجهة الاتحاد السوفييتي سابقاً وروسيا حالياً؛ لضمان وقوف الغرب إلى جانبها في مواجهة ضغوط الأرمن واليونانيين والقبارصة، ومن هذه الزاوية نظرت تركيا إلى العلاقات مع إسرائيل واعترافها بالتالي بها في العام 1949. إذن تعود العلاقات بين تركيا وأمريكا إلى أكثر من سبعين عاماً، وكانت ثابتة في تقاطعاتها الاستراتيجية، وكانت تركيا جزءاً أساسياً في عمليات الأطلسي في أكثر من مكان في العالم من أفغانستان إلى كوسوفا. غير أن هذا لم يُلغِ مرور العلاقات أحياناً بتوترات لم تؤثر في طبيعتها الاستراتيجية، ولعل من أكبر الأزمات ما حدث من فرض عقوبات تسليحية على الجيش التركي بعد الغزو التركي لقبرص في العام 1974 وفي الأغلب كانت القضية القبرصية هي مصدر التباين الأبرز بين أنقرة وواشنطن. ومرت العلاقات بتجربة صعبة عشية الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 عندما رفض البرلمان التركي المشاركة في غزو العراق رغم أن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان كان يقف خلف المذكرة، وهذا ما أدى إلى فتور في العلاقات بين البلدين، وأتبع ذلك تغطية جنود أمريكيين في السليمانية في شمال العراق رؤوس جنود أتراك بأكياس فيما عرف بحادثة الكيس أو الشوال. ومن بعد ذلك ظهرت أحداث ما يسمى بالربيع العربي في بداية العام 2011 وظهر تباين واضح بين الطرفين في الموقف من مصر وليبيا، ورغم أن الطرفين كانا يريدان رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، غير أن الموقف من قوات الحماية الكردية المدعومة أمريكياً في شمال سوريا دق إسفيناً كبيراً في العلاقات بين أنقرة وواشنطن. في ظل كل هذه التوترات المستجدة، جاءت محاولة الانقلاب الفاشلة لتصب الزيت على نار الخلافات بين تركيا وأمريكا، ووراء ذلك سببان أساسيان: 1- اتهام أردوغان فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بأنه العقل المدبر للمحاولة الانقلابية، وقد طلبت تركيا من أمريكا حتى قبل المحاولة الانقلابية تسليم غولن إليها، فيما ترفض حتى الآن واشنطن ذلك. 2- الكلام الرسمي التركي بعد المحاولة الانقلابية عن أن للولايات المتحدة دوراً في المحاولة. ويبني الأتراك اتهامهم هذا انطلاقاً: أولاً: من أن غولن لا يمكن له أن يتورط في انقلاب مثل هذا من دون علم الولايات المتحدة ولا سيما جهاز الاستخبارات الأمريكية السي آي إيه. وثانياً: من مقالات صدرت في الشهرين اللذين سبقا الانقلاب في الصحافة الأمريكية حول احتمال قيام انقلاب عسكري في تركيا، ومثل هذه الكتابات لا تصدر لو لم يكن هناك مناخ حاضن لها في الإدارة الأمريكية. وثالثاً: ممّا تسميه أنقرة تأخراً أمريكياً رسمياً في إدانة المحاولة الانقلابية، وبالتالي كانت واشنطن تنتظر نتائج المحاولة لتبني على الشيء مقتضاه بدلاً من أن تتخذ موقفاً مبدئياً بتأييد السلطة المنتخبة شرعياً. ورابعاً: من اتهامات أردوغان لواشنطن بأنها لا تريد تركيا قوية، ولذا هي تريد إضعافها بخلق توترات وانقسامات داخل الجيش نفسه أو بين الجيش والسلطة السياسية. وخامساً: من تحركات الانقلابيين في قاعدة إنجيرليك، حيث تواجد عسكري أمريكي استراتيجي فيها. وسادساً: من كلام قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط جوزف فوتيل من أن بعض الضباط الأتراك ممن شاركوا في المحاولة الانقلابية واعتقلوا كانوا شركاء أمريكا في محاربة داعش ما استدعى غضباً شديداً من أردوغان على هذه التصريحات. رفضت الولايات المتحدة هذه الانتقادات والاتهامات، وطالبت بأدلة حاسمة بشأن اتهام غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية. وكان لافتاً خطوة الإدارة الأمريكية أن ترسل بعد أسبوعين من الانقلاب رئيس أركان الجيوش الأمريكية جوزف درامب إلى تركيا، وهذه الخطوة لها دلالتها المتعددة من ذلك أن واشنطن تبدي انزعاجها من الحملة التي أطلقها أردوغان ضدها في تركيا لتشويه صورتها، فكانت الرسالة الأمريكية لتركيا عسكرية وهذا تأكيد على أن أولويات الولايات المتحدة الدفاعية ضد خصومها غير مسموح المس بها، ومن ذلك قاعدة إنجيرليك، فضلاً عن العلاقة الخاصة مع الجيش التركي الذي يعيد أردوغان هيكلته من دون معرفة مدى تأثير ذلك في دوره ووظيفته في إطار حلف شمال الأطلسي. وفي هذا الإطار اندفعت تركيا في تحشيد أوراقها في معركة الإرادات مع واشنطن عبر الإعلان عن زيارة لأردوغان، هي الأولى له خارج تركيا بعد الانقلاب، إلى روسيا واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تلويح إلى أن العلاقات مع روسيا يمكن أن تتخذ طابعاً استراتيجياً وربما بديلاً للعلاقات التركية مع الغرب. من الواضح أن العلاقات التركية - الأمريكية أصابها صدع كبير جداً من جراء المحاولة الانقلابية والاتهامات الموجهة لأمريكا، وهي لن تعود إلى طبيعتها في المدى المنظور ولو شهدت بعض المرونة، فما حدث شكل جرحاً غائراً بعمق في جسد العلاقات الثنائية. أما العلاقات التركية مع روسيا فهي لا يمكن أن تصل لدرجة العلاقات الاستراتيجية لأسباب كثيرة، وهي مرشحة للبقاء في إطارها التكتيكي ليس إلا، اللهم إلا إذا قررت تركيا تغيير بوصلتها الاستراتيجية، وهذا أيضاً غير ممكن لأسباب كثيرة، لذا فالثابت في العلاقات بين تركيا وأمريكا هو استراتيجيتها مهما اعتراها من خلافات وتوترات.