كثير منا سمع عن عسر القراءة، عسر الولادة، عسر الهضم، لكن قليلون من يفهمون ما هو عسر الاعتذار الذي كما عسر الهضم تماماً يعد حالة مرضية منتشرة جداً لكنه يخالفه في كونه يؤذي الآخرين أكثر مما يؤذي المصاب نفسه. عسر الاعتذار أيها السيدات والسادة هو عجز الشخص عن الإقرار بخطئه (سواء كان خطأً صغيراً أو كبيراً متعمداً أو غير متعمد) وتقديم الاعتذار للشخص المساء إليه. والإصابة بهذه الحالة تعود لعوامل نفسية وتربوية كثيرة، وأخطر ما فيه أن المصاب قد لا يدرك أنه أحد حاملي المرض والمؤهلين لنقله لأجيال مستقبلية بالوراثة. فهو في الغالب إما غافل تماماً عن مَواطن الاعتذار لعجزه عن فهم أو قراءة مشاعر الآخرين وردود أفعالهم، أو مدرك لما اقترفت يداه ونطق به لسانه، لكنه يحمل قائمة جاهزة بالمبررات والحجج التي تعفيه وتسقط عنه حق الاعتذار. في كلتا الحالتين فإن مغبة عجزه هذا فادحة جداً فهي ستمنحهُ سمعةَ سيئ الخلق الجلف اللامبالي، بل وحتى السليط أحياناً، وستخسره بعض العلاقات والصداقات، أو على أقل تقدير ستشوهها وتجرحها فتنتزع منها حميميتها وصفاءها. من المؤكد أنه لا أحد من الأسوياء وطيبي السريرة يقبل أن يستسلم لهذا المرض فيمضي في عمره متخبطاً بآثاره الجانبية الوخيمة. لذا علينا جميعاً أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا نستمع لأحاديثها الداخلية هل نجري وراء المبررات والمقايضات والحيل على غرار أن الطرف الآخر هو البادئ مثلاً أو أنه يستحق أو أنه سبق وجرحك من قبل أو أنك صاحب فضل عليه، فهو مرغم على أن يسامحك دون تقديمك أي اعتذار! إن بدت لك إحدى هذه الأفكار مألوفة وكانت رادعاً لك عن القيام بالتصرف السليم يوماً فيؤسفني أن أخبرك أنك مصاب. لكن لا تقلق، اعترافك وتشخيصك هو خطوتك الأولى نحو التشافي، كل ما عليك أن تحطم هذه القناعات البائسة وتنتزعها من قاموسك وتستبدلها بقناعات أخرى ودودة تسمو بك وتعيد علاقاتك إلى مسارها الصحيح. أولاً، تأكد أن الاعتذار ليس ضعفاً بل قوة ولا ينتقص من احترام الآخرين لك بل يزيده. ثانياً، اعلم أن اعتذارك لا علاقة له بقيمة أو سلوك أو خصال خصيمك، بل ما يحدده هو قيمك وأخلاقك أنت، لا فرق أكان خصيمك طفلاً أو سفيهاً أو عالماً مفوهاً، الفيصل أنك أخطأت وعليك أن تعتذر . ثالثاً، في الاعتذار وعكس ما يقول به بعضهم الأقرباء أولى بالمعروف، لا تستغل حبهم اللامشروط لك أو قربهم الشديد منك في التنكيل والإساءة لهم ثم الانسحاب من المواجهة كأن شيئاً لم يكن وتتكل على أن جراحهم ستداويها الأيام فإنها أحياناً لا تفعل. رابعاً، لا تقدر حجم إساءتك بمعاييرك أنت بل بمعايير المتلقي، فما تجده أمراً عادياً قد يراه غيرك إهانة عظيمة. وأخيراً، لا تجعل اعتذارك أجوف ومجرد كلمات تلوكها ثم تلفظها بمنة، بل ليكن اعتذارك صادقاً من القلب وإلى القلب.