*واحد من أفضل البرامج اليومية الجيدة التي تعرضها محطة «إم بي سي» يوميا هو «ومحياي» الذي يقدمه الدكتور وليد فتيحي في كلمات سديدة ومباشرة وأداء مقنع بلغة فصيحة محددة. ليس برنامجا دينيا إلا من حيث الاستلهام من القرآن الكريم ومن سنة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام مفاتيح التعامل مع دنيانا. *وإحدى أكثر الحلقات نجاحا في عملية توليف المضمون مع الشكل والإخراج والـ«غرافيك» هي تلك التي عرضت مؤخرا، وفيها يتحدث الدكتور عن الطلب الإلهي الأول للمسلم والعربي المتمثل بكلمة «اقرأ». يلحظ الدكتور عن حق كيف أننا اليوم أقل أمة سعيا للقراءة، في حين أن الكلمة ذاتها كانت بداية مرحلة لعهد جديد من تاريخ البشرية. فالطلب الذي لا يخلو من صفة الأمر لم يرد في أي من الكتب السماوية السابقة بل كان حثا لأمة تتشكل وتنمو، ونبوءة لمستقبل قائم على المعرفة والعلم كان يمكن لنا أن نكون قادة فيه، لولا أننا تركنا هذا الأمر فتحولنا إلى شعب يخصص ست دقائق فقط من السنة للقراءة، مما يجعل معدل الإصدار السنوي للنشر العربي لا يتعدى 4 في المائة سنويا. وهذا مع العلم أن نسبة الأمية ما زالت مرتفعة إذ، وحسب الإحصاءات التي يستند إليها المعد وينفذها الـ«غرافيك» بسهولة وحيوية، هناك 70 مليون أمي في العالم العربي. *وجدت أن أبدأ زاوية هذا اليوم بالثناء على هذا البرنامج الذي لا يستمر أكثر من 12 دقيقة يشرح فيها ملامح الشخصية الإسلامية والعربية التي عليها أن تتكون إذا ما أراد هذا الجزء من العالم التقدم. والبرنامج بحد ذاته فاصل مهم، إذ يتم تقديمه في ساعة الإفطار لعل المشاهد يستوعب ما فيه من عبر قبل الانتقال بعد ذلك مباشرة إلى سهراته التلفزيونية التي تملأها المسلسلات الرمضانية الدرامية والتي، ومن دون تزمت أو تطرف، لا يزال غالبها ترفيها للجمهور الذي لا يقرأ، بمن فيهم من يعرف القراءة والكتابة. *ياسر العظمة، كوميدي سوري معروف على شاشات التلفزيونات العربية منذ سنوات كثيرة، وقد درج في شهر رمضان وفي غير شهر رمضان على تقديم برنامج بعنوان «مرايا». كما هو واضح، فإن المقصود هو أن يكون البرنامج مثل المرايا التي تعكس حالات وشخصيات اجتماعية وشرائح بشرية يمكن نقدها والتعليق على أفعالها. *قبل الأحداث التي نشهدها في سوريا، رصد العظمة حالات اجتماعية، ووفر لها الكتابة النقدية التي تستحق. تحدث عن تلك الميكروبات التي تتغلغل في الإدارات الحكومية فتناول الرشاوى والمصالح الفردية والرغبة في استحواذ السُلطة الفردية، وانتقد الفساد المستشري في ضمن نظرته البانورامية لمواطن الخلل والألم في القطاعين العام والخاص. أحيانا ما كان يثير التساؤل حول الهامش العريض المتوفر له، الذي يتيح له النقد الصريح. *للأسف، كان أكثر جرأة حينها مما هو عليه الآن في الحلقات الجديدة من هذا المسلسل الكوميدي. طبعا لا يزال البرنامج مؤلفا من قصص عدة، وكل قصة تقع في حلقة واحدة غالبا. ولا يزال ياسر العظمة يؤدي الشخصيات المختلفة تحت ما يتيسر من ماكياج لا يخفيه بالكامل؛ فهو قروي هنا وابن مدينة هناك. فقير مدقع أحيانا وميسور ووجيه في أحيان أخرى. موظف تارة ومن أصحاب المصالح تارة أخرى. لكن الحلقات التي اختيرت عشوائيا للمشاهدة للآن (10 من 20) لا تحتوي إلا على النذر اليسير من النقد المطلوب لإحداث حالة إصلاح ما بصرف النظر، وكما يردد بنفسه في الحلقة الأولى، عن أي جهة سياسية. يقول أكثر من مرة: «نحن لا مع هاد ولا مع هادوك»، ويتمنى المرء بعد المشاهدة لو أنه كان مع أي طرف ضد الطرف الآخر لربما استطاع الكشف عن عيوب تؤدي إلى حالة نقدية أو إلى وجهة نظر نقبلها أو نرفضها لكنها تغني العمل وتمنحه هوية حقيقية. *في تلك الحلقة، وعنوانها «جهنم الحمرا» يؤدي دور رئيس عصابة نافذة وقوية تثير الرعب في المدينة لكن الإنتاج يؤمن له شخصين هما فردا العصابة الوحيدان. لا شيء له قيمة في هذه الحلقة على الإطلاق. لا قصصيا ولا طرحا أو مضمونا، ولا تمثيلا (إذا كان قاموس الممثل من الحركات يعتبر تمثيلا) وهذا الافتقار نجده في الحلقات الأخرى التي شوهدت. هو معلم ورشة غشاش في حلقة، وقروي بسيط يفهم في البقر في حلقة أخرى، ورب عائلة يشكو من وجود مراقب تم وضعه عند باب بيته في حلقة ثالثة، وهكذا. في واحدة من الحلقات التي ربما أكثر كثافة بقليل من الحلقات الأخرى، يكشف عن الوجه المزدوج لرجل لديه بناية من تسعة طوابق لا يفتأ التآمر على مستأجريه وهو يداوم الصلاة والتكبير. في هذه الحلقة تصل الرسالة واضحة من بعد خمس دقائق، لكنها تعجن وتطحن وتتمدد مثل الخبز المرقوق حتى تصبح نحيفة وبلا قيمة غذائية تذكر. *في واقع الأمر، المنهج الذي أمه هذا الكوميدي بنجاح كبير قبل عقد من الزمان أو نحوه، لم يعد مجديا. ليس فقط لأن الكوميديا المطروحة فيه تكرر مواقفها، وليس لأن الممثل لا يملك جديدا يضيفه في أي من خانات العمل فحسب، بل لأن ما بُني على النقد لا يمكن أن يستمر من دون هذا العنصر الذي شكل عاملا حاسما أم الجمهور المسلسل بسببه، لأنه نفّس عما اشتكى منه، وعبّر عما كتمه طويلا. ذلك الهامش من حرية التعبير كان في واقعه مشروطا من قبل النظام، لكنه كان أوسع مما هو عليه الآن. من دون النقد لا يوجد داع للبرنامج أساسا، فضحكاته محدودة ومنواله قديم والترفيه الناتج عنه لا يشكل وضعا حتميا يجعل البرنامج من النوع الذي لا يمكن تفويته