النقد الهادف البناء كان وما زال البعد الأساسي من أبعاد التنمية والتطور والتحول نحو الأفضل والأجمل والأحسن، وهو عنصر فعل وبناء ووعي ومصدر إبداع وازدهار ورافد من روافد العطاء وشحذ الهمم نحو الإصلاح والتغيير والتبديل الواقعي المفيد، والنقد الرزين الحكيم الذي يملك أدوات المعرفة يعتبر وسيلة فعالة لتغيير الحال والواقع الراكد المتخلف والجامد إلى حال وواقع أكثر إشراقة وبهاء ونهوضا وانطلاقة، بعيداً عن الرتابة والتقوقع والانكماش والتشنج والتأثيرات المتخلفة والإقصائية، أن من شروط النقد الهادف الأبيض البناء أن يؤطر وفق منهجية واضحة من قبل صاحب النقد مدعوما برؤى وأفكار واقعية ومستمداً من الواقع المعاش، والنقد في حد ذاته وفي المجمل العام لا يقتصر ولا ينحصر على الثقافة والأدب والفن والرياضة فحسب مثلما يتصوره بعضهم ويراه، بل هو مجال خصب كبير وفسيح يشبه الفضاء ويشمل الحياة الروحية والفكرية والإبداعية والعملية للبشر في كل المجالات والتنوعات والتشعبات المختلفة، أن للنقد قيماً وآفاقاً واسعة رحبة ومتفردة، وهو داعم لمتطلبات الناس ومساند لأفكارهم ورؤاهم واحتياجاتهم، ومشجع لعملية الانتفاع والانفتاح والتعديل والتقويم بأفضل الأنشطة والطرق والمناحي، فالنقد الهادف القويم له أدواته الخاصة وإنتاجه الخاص وتأثيره الخاص رغم وجود أدوات الافتراق والالتقاء، أن النقد الإبداعي الحي يشبه البناء العلوي للمجتمع لكنه يتطلب ثقافة متوازنة ودقيقة وبعدا فكرياً ورؤى متميزة يجمع بين كل التوجهات الفكرية والحركية، أن للنقد الموضوعي والواقعي دوراً حقيقياً وفعالاً في حياة المجتمعات يستطيع تحقيق الإيجابيات وتحطيم السلبيات الحاصلة بحس راق وفعال ومؤثر، أن النقد بكل أدواته ومفرداته وأغراضه متصل بالحركة البشرية وعملها الإبداعي وإنتاجها ومشاركاتها الاجتماعية محيطا وإقليما حيزاً وجغرافيا، إننا بحاجة فعلية إلى إدامة وتشجيع النقد الهادف والمميز والعناية به ورعاية للتأكيد على أن النقد جزء من الحياة من أجل تطلعاتنا المستقبلية والآنية وليس جزءا مهملا يعتمد على المدح والإطراء والتصفيق والإشادة فقط، بل نطمح إلى أن يكون النقد الهادف المسؤول والأمين مقبولا لدى الجميع وعلى كل المستويات والأطياف والتنوعات البشرية حتى وإن صار نقدا قاسياً لاذعاً في بعض الأحيان لأنه لا شيء يوازي إخفاء القناعات التي تؤدي إلى الرضا الوفير والبهجة الزائدة والفرح العارم، بعيداً عن الانحيازات والاتهامات التعسفية والنعوت والنفور، أن النقد الشفاف الواعي والناضج وحده هو من يمنح الضوء البهيج والهواء العليل للبحثين عن الحياة القويمة والمتطلعين للسبل الواقعية الوثيقة والموضوعية، وعلى الناقد التجرد من الميول الشخصية والأهداف الفردية والتطلعات الأنانية، فلا يزور ولا ينتحل ولا يخفي الوقائع ولا يمالئ بتفسير الأشياء على هواه ، ولا يذهب في حتمية التشابه والإشكاليات ، ولا يتناقض ولا يرتبك ولا يفتتن ولا يتشنج ، وعليه أن يكون شكلاً وطابعاً ونمطاً متفرداً وذا خاصية مميزة نافعة وبيضاء.