إن التحرك العسكري العراقي كان قد سبق التحرك السياسي، وقبل مذكرة العراق التي اتهمت الكويت والإمارات العربية بالخيانة والتلاعب بأسعار النفط. كولونيل والتر لانج ضابط المخابرات الحربية لشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا في البنتاغون أخذ يزود الجنرال باول بصور تحرك الجيش العراقي في 16/ 7/ 1990 وقبل البيان العراقي بيوم واحد. المخابرات العسكرية الأميركية صورت هذا التحرك، وهذا هو الجنرال باول يستعرض الصور بواسطة جهاز التلفزيون. 350 ألف جندي متأهبون على حدود الكويت، ووكالات المخابرات تقول إن صدام حسين يبدو أنه سوف يستخدم القوات كعامل تهديد وضغط للمفاوضات القادمة، وكان أغلب ما توقعته الكويت أن الجيش العراقي سوف يستولي على مواقع في شمال البلاد... وتأتي على التحرك الرهيب واتخاذ الفرق العسكرية بعض الأسماء والشعارات الفقهية.. فرقة حمورابي ارتكزت على الحدود الشمالية للكويت، وفرقة أخرى أطلقوا عليها هذا الاسم (نحن نؤمن بالله)، هكذا استغل الجيش المعتدي هذه الشعارات. أما الفرقة الثالثة، فاسمها «المدينة المنورة». بالقرب من المحاور الرئيسية على الطريق السريع الذي شيدته الكويت، ليكون موطناً سهلاً على الأشقاء في العراق. والتقارير المصورة تثبت أن المسافة من تواجد الجيش كانت ملتصقة على الحدود ولا تزيد على 50 إلى 75 ياردة فقط. المدفعية الثقيلة خلف الدبابات على خطوط امتدت عدة أميال وقادة المدرعات في مراكز ميدانية خلف الخطوط ووسط كل فرقة، وتأكد والتر لانج أن هذا الهجوم الساحق سوف يتم بعد ساعات على الكويت. ولما علمت الكويت في الساعات الأخيرة قالت إننا نعرف إلى أي حد سيزحفون عندها نتصرف، ولم يكن عندها أي تأهب عسكري ولا تصعيد في الطوارئ، وربما لحكمة أرادها الله، لكي لا يفنى الجيش الكويتي الصغير أمام قوة الجيش العراقي الهائلة، ولتأكدها أنه لم يكن بين الكويت والعراق أي نزاع أو خلاف. وفي الساعات الأولى من فجر الثاني من أغسطس، الذي مازال الوقت عصراً في واشنطن، يقف الجنرال باول رئيس الأركان متأملاً تقارير المخابرات المركزية التي تقول إن كل الشواهد تشير إلى أن صدام حسين سوف يغزو الكويت. وفي ذلك الوقت الحرج تحدث شوارتزكوف مع قادة الأركان ومع تشيني، وأعطاهم تقريراً عن مواقع 100.000 من القوات العراقية التي تقف على أهبة الانقضاض على الكويت، وقال إن الذي يقوم به صدام حسين هو تحضير للغزو، وليس إخافة الكويت فقط، كما قالت معظم التوقعات الداخلية والخارجية... وتحركت الفرق بمسمياتها الفقهية، لتذر الرماد في العيون. هكذا كان الغزو، وأخذت أميركا موقفاً مميزاً في الساعات الحرجة الأولى، وتحركت الدول العظمى والدول الصديقة والشقيقة... ولا أحد باستطاعته دحر الظلم إلا بقوة عظمى وبتحرك من الرأي العام الدولي. ومن الإجراءات التي اتخذت على عجل وفي أحرج الأوقات تجميد أموال الكويت، حتى لا تمتد يد الغزاة إلى الاستثمارات الخارجية. وتحركت حكومة الكويت من خلال تواجدها على أرض المملكة العربية السعودية، فذهب سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى مقر الأمم المتحدة، فاستقبل بترحاب منقطع النظير لم يستقبل به أحد من قبل، وألقى كلمته المأثورة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة والأربعين في 27 /9/ 1990 ومما قاله سموه: «لقد جئتكم اليوم حاملاً رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله، ومد يد العون لكل من استحقه، ويسعى للخير والصلح، جئتكم برسالة شعب كانت أرضه بالأمس القريب منارة للتعايش السلمي والإخاء بين الأمم، وداره كانت ملتقى الشعوب الآمنة. لم يكن الاحتلال على اثر نزاع بين دولتين على جزء من الأرض، بل كانت خطة مبيتة للاحتلال السافر والسطو المسلح على دولة بأكملها. إن خروج الغزاة أتٍ لا ريب فيه، بإذن الله، وسنعود إلى كويتنا دار أمن وأمان وواحة أصيلة وارفة الظلال يستظل تحتها كل الطيبين الشرفاء». وتحرك الرأي العام بجانب الحق حتى نصره. وبقي الإعلام العراقي يلبس رداء الناسك، متظاهراً بالتقى والورع... فيستغل مواقيت الصلاة ليضع صورة صدام حسين مع مأذن بيت الله الحرام، وهو يرفع يديه في حركة تمثيلية، كما استعان بجموع من رجال الدجل والنفاق، ليحدثوا الناس بالدين بأسلوب مخادع مناصرين الاعتداء والظلم والبغي. ملاحظة: قام الشعب الكويتي بتعمير حقول النخيل في الفاو والجنوبيات، وصدّر التمور ومنتجات زراعية عراقية إلى شرق وجنوب إفريقيا وإلى الهند الكبرى... وبالبواخر إلى إنكلترا وإلى نيويورك (مصطفى الإبراهيم) 1939 هذا التاريخ الزراعي والتجاري لا يطمسه حمق سياسي.