صاحبي لا يملّ من ترديد عبارات السخط التي تؤكد رأيه الدائم بأنّ لا شيء يبعث على الراحة والتفاؤل وكثيرا ما يشكو في لحظات البوح من معاناته مع حالات التوتّر والقلق، وفي أكثر الأحيان أراه وسط الأصدقاء كثير الشرود والتضجّر وهو يكرّر جملا تبعث على السأم من كل شيء. أساس مشكلة صاحبي تتركّز في أنّه مشغول في كل قضيّة وله (موقف) لا (رأي) في كل مشكلة عربيّة أو عالميّة. هو يتابع الأحداث بشكل غريب ويفتي (بتعصّب) في أسرار معظم الأحداث وله تفسيرات تتشكك في كل المبادرات. ومن خصائص صاحبي العجيبة أنّ له (أكثر) من رأي في (كل) قضيّة خاصة تلك التي تحتل صدارة نشرات الأخبار. حاورته متعجبا من جدوى ما يصنع وضرر انغماسه وإشغال نفسه وأصدقائه في مناقشة وتفسير كل شيء وهو الذي لا تتقاطع أعماله ولا تخصصه العلمي مع هذه الاهتمامات (الكونيّة) التي أرهقت تفكيره فطلب الحل. اعترفت له أنني لا املك حلا لمشكلة هو من صنعها لنفسه بنظرته المتشكّكة والتقاطه للسلبيات وتفسيره المتشائم لطبيعة التدافع البشري. قلت له لما رأيته ينصت: يا صاحبي لأني أعرفك حق المعرفة فاسمح لي أن ادلّك على بعض مظاهر هذه الحال التي تعيشها كل يوم. أنت يا صاحبي ربما المسؤول الأوحد عن تراكم هذا السواد أمام عينيك. نعم إنها طريقتك التي تمارس بها أدوارك في الحياة وهي التي تحتاج منك وحدك إلى فحص ومراجعة، وانه برنامج نشاطك اليومي الذي يتطلب التغيير حتى لا تبقى أسير نظرتك السوداء للأشياء والناس. يا صاحبي أنت حين تخرج من منزلك كل صباح لا ترى جمال الورود التي تزيّن مدخل باب جيرانك بل تصرّ على أن ترسل نظرك إلى ما بعثرته القطط من برميل النفايات. وحين تقف أمام الإشارة لا تكف عن التأفف لأن زحام المرور يضايقك وأنت تعلم يقينا أن خروجك في ساعة الذروة يعني أنّك ستخوض الزحام وهذه حال شوارع أي مدينة في العالم في بداية يوم العمل ونهايته. تأمل يا صاحبي حالك وأنت تقود سيارتك كل صباح في طريقك إلى مكتبك وإصرارك على الاستماع فقط إلى برامج ونشرات أخبار الموت والدمار والفتنة. كيف تستفتح يومك بهذا الغم ثم تتوقّع أن تبدأ يومك ببهجة وتنجز عملك بروح إيجابيّة؟ والأعجب انّك بين الفينة والفينة تستقبل وتقرأ ذات الرسائل المحبطة ممن تخصّصوا في توزيع منتجات الكآبة عبر برامج التراسل في هاتفك الجوّال. يا صاحبي كيف تنجلي سحابة اليأس عن رأسك وأنت لا تشاهد إلا فضائيات الصراخ والشتيمة والصراع كل مساء؟ وكيف تستعيد حسن ظنك في الناس والحياة وأنت موزع التفكير بين حلبات الصراع والجدال التي لم تتركها حتى على "تويتر" الذي لا تتابع فيه إلا كل محتقن أو يائس أو مشكّك لا يرى في الناس "أمينا" ولا في الوجود "جميلا". يا صاحبي .. قال خالقك جلّ في علاه "أنا عند حسن ظن عبدي بي " فأحسن الظن وراجع نفسك. *مسارات: قال ومضى: من ينهل من معين اليقين لا تعطش روحه.