هل يهدد الانقلاب الفاشل في تركيا اتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة؟ يبدو الخطر حقيقياً بنظر الأوروبيين الذين يخشون معاودة حركة تدفق المهاجرين بكثافة إلى السواحل اليونانية. فالعلاقات مع الأتراك المتوترة أصلاً في الأشهر الأخيرة تدهورت بشكل أكبر بعد محاولة الانقلاب في 15 يوليو/تموز في تركيا وما تبعها من حملات تطهير واسعة صدمت الأوروبيين. وأقر وزير الهجرة اليوناني يانيس موزالاس الذي تستضيف بلاده نحو 57 ألف مهاجر عالقين منذ إغلاق طريق البلقان، "إننا نتابع الوضع وقلقون بالتأكيد". وفي الواقع ازداد وصول المهاجرين بشكل طفيف إلى اليونان عبر بحر إيجه بعد الانقلاب الفاشل، فهم يعدون بالعشرات يومياً أي أقل بكثير من الأرقام التي كانت تسجل قبل الاتفاق المبرم في 18 آذار/مارس حيث كان يتوافد أكثر من 1700 يومياً. وأكد موزالاس "حتى الآن لا يشير عدد الواصلين إلى الجزر اليونانية إلى أن الاتفاق لا يتم التقيد به"، نافياً أن يكون طالب بـ"خطة بديلة" في حال توقفت تركيا عن لجم تدفق المهاجرين الذين وصل منهم أكثر من 850 ألفاً إلى الجزر اليونانية في العام 2015. لكن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر رأى "أن الخطر مرتفع" في انهيار اتفاق الهجرة الأوروبي التركي، معبراً بذلك عن قلق الأوروبيين. موضوع التأشيرات ويتساءل البعض إن كان بالإمكان الاستمرار في اعتبار تركيا "بلداً آمناً" كما تقول المفوضية. فهذا المفهوم القانوني يشرع رفض طلبات اللجوء إلى أوروبا التي يتقدم بها سوريون وعراقيون -هاربون من الحرب- يمرون عبر تركيا، وإعادتهم إليها كما هو منصوص في اتفاق 18 آذار/مارس. وردت متحدثة باسم المفوضية هذا الأسبوع بقولها "في هذه المرحلة" تعتبر بروكسل أن الاتراك ما زالوا يوفرون لهم حماية كافية، وأن هذا الجانب من الاتفاق لم يسقط. واعتبر من جهته إيف باسكوو، أحد مسؤولي مركز السياسات الأوروبي والخبير بمسائل الهجرة "لطالما اعتبرت أن تركيا ليست بلداً ثالثاً آمناً، فإن لم تكن كذلك بالأمس فهي ليست كذلك اليوم". لكنه لفت في الوقت نفسه في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه "تم إبعاد أقل من 500 شخص إلى تركيا" منذ الاتفاق مع أنقرة، بعد أن تراجعوا جميعهم تقريبا عن طلب اللجوء إلى أوروبا. ورأى الخبير أن الجانبين يشدان الحبال في هذا الوضع، إذ إن التهديد الرئيسي بالنسبة لاتفاق الهجرة يبقى مسألة إعفاء الأتراك من التأشيرات في فضاء شنغن والتي تهدد أنقرة بدونها بالتوقف عن لجم تدفق اللاجئين. وقال باسكوو في هذا الصدد "نظراً للطريقة التي تتطور فيها الأمور في تركيا، أشك في إمكانية أن تحصل غداً على هذا الإعفاء"، مؤكداً أنه سيتعين في كل الأحوال الحصول على موافقة بلدان الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي المتحفظين على هذا الأمر. وقد تعهد الاتحاد الأوروبي في تسريع وتيرة عملية الإعفاء هذه مقابل التزام أنقرة بالاتفاق، لكن دون المساومة على المعايير التي يطالبها بتطبيقها، وتتطلب تعديل قوانين مكافحة الإرهاب التركية، التي تعتبر أنها تنتهك الحريات. لن نسمح بترهيبنا ويبدو أن تركيا التي لم تُبدِ أصلاً استعداداً كبيراً للقبول بهذا التعديل قبل الانقلاب، شددت موقفها. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء "إن أولئك الذين كنا نظنهم أصدقاءنا اصطفوا إلى جانب الانقلابيين والإرهابيين". وهذا الموقف التركي يغيظ الجانب الأوروبي. وحذر المستشار النمساوي كريستيان كيرن "لن نسمح بترهيبنا على الإطلاق"، واعتبر الخميس أن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي باتت "ضربا من الخيال". لكن جان كلود يونكر حذر الخميس من وقف مفاوضات انضمام تركيا التي يقضي اتفاق 18 آذار/مارس باستئنافها، معتبراً أن ذلك سيكون "خطأ جسيما في السياسة الخارجية". ورأى مارك بييريني السفير السابق للاتحاد الأوروبي في أنقرة والمحلل لدى مؤسسة كارنيغي أوروبا "أن الأكثر ترجيحاً" يبقى أن "الاتحاد الأوروبي وتركيا اللذين لديهما اهتمامات أكثر أهمية من إلغاء التأشيرات، سيستمران في تنفيذ الجوانب الأساسية من اتفاقهما". وأشار بييريني خصوصاً إلى الشق المالي في الاتفاق الذي يهدف إلى تحسين استقبال اللاجئين السوريين على الأراضي التركية. فبعد الانتقادات الأخيرة لأردوغان مطالباً بتسريع دفع الأموال، أعلنت المفوضية أنها جهزت مليارين من أصل الثلاثة مليارات يورو المقررة للعامين 2016 و2017 بموجب الاتفاق.