هناك فرق بين الدعوة للحوار بين الأديان، والأخرى للتقارب بين الأديان. ففي حين الأولى تهدف إلى إيجاد قواعد مشتركة للعيش المشترك، على معايير إنسانية بحتة تنبذ الاختلاف الديني وتكرس لسبل التفاهم دون أن يلغي أحد الآخر، وبالتالي كمحصلة يحيا الجميع في وئام دون مشكلات مبنية على أسس دينية، فإن دعوات التقارب لا تؤدي المطلوب منها، وإن كان الغرض منها مشابها للأولى أو أنها أطلقت بنيةٍ حسنة، ولا أرى داعيا لأن أجد ما يشبهني كمسلم أو ما هو قريب مني في أي مذهبٍ آخر كي أحترم معتنقه وأتعايش معه على أساس تشابه بيننا في الخلفية والانتماء الوجداني والروحي والديني. التقارب بيننا والآخر المختلف عنا يجب أن يكون على أسس إنسانية مع البعيد والغريب، ووطنية مع أبناء الوطن والعرق والدم. الاقتتال الديني والطائفي والمذهبي غدا في العالم أجمع. نصف ما نراه وسمعنا عنه من حروب ليس فقط في عصرنا هذا، وإنما أيضاً في عصور من سبقنا، لعب الضالون فيها من الكهنة والمتلبسين بلباس الدين دوراً فيها، بعد أن سيسوا الدين، ومهدوا للقتال، مع دعوات الترهيب والترغيب وتوزيع صكوك الغفران التي أغرت الجموع ووجدت فيها طريقةً لكسب الآخرة كلاً حسب معتقده. ينبغي ألا يكون الحوار فقط محصوراً بين الأديان، بل يجب أن يشمل أيضاً المذاهب المنتمية لبوتقةٍ دينيةٍ واحدة، يتم التوصل فيها إلى جوهر القول الكريم «لكم دينكم ولي دين». عدا ذلك، تأكدوا أنه من الصعب جدا إقناع الآخر المختلف عنك في عقيدته بأنه على خطأ وبكونك على صواب، وبالتالي يتوجب عليه أن يتخلى عن معتقده الذي فطر عليه، وهو ما لن يحدث إلا بالنقاش الدعوي المبني على الحجة والمنطق والقادر على التعامل مع العقل واكتسابه وجهة النظر الصحيحة. ينبغي تعميم الحوار، والتركيز فقط على الخاصة دون العامة خطأٌ. فحوار الصالونات المغلقة، وإن كان بعيداً عن التشنج وأكثر عقلانيةً، إلا أنه يبقى غير فعال إن لم يشترك الأتباع من العامة في برامج وندوات وجلسات ونقاشات حوارية إنسانية تخاطب العقل لتحد من التعصب، وتلغي الكره إن كان مبنياً فقط على الاختلاف الديني أو المذهبي. أوروبا على سبيل المثال متنوعة طائفياً، لكنها لم تجد السلم والتوافق إلا حديثاً، بعد أن عانت من الانشقاقات على الكاثوليكية، وأُسس على إثر ذلك المذهبان المسيحيان الرئيسيان، وهما البروتستانتية والأرثوذوكسية، اللذان انبثقت عنهما على مر السنين طوائف عديدةٍ أخرى. ودمرت الحروب دولها وأقوامها وغذت نار الفتنة الطائفية وألهبت الأتباع، جميع ذلك بدعم وتأييد من رجال الكنيسة الذين شكل تحالفهم مع السلطة حلقة التحريض التي أشعلت الحروب، ولم تسلم منها أيٌ من دولهم في تلك الفترة على السواء. طائفية بعض منا في مجتمعاتنا الإسلامية وإن انزوت خلف شعارات براقة، لن تنجينا من شبح التفتت والانقسام، الذي إن حدث سيكون فأل السوء الذي تحقق، وسيهدم جسور التواصل والحق في العيش المشترك التي أصلها الإسلام، وستكون سبباً في أننا ما زلنا متخلفين ورجعيين رغم كل ثرواتنا ومقدراتنا. لن نصل إلى ما وصل اليه الآخرون من تقدم وتطور، إلا إذا كان الغرض من حوارنا هو بناء الأسس الدائمة للتعايش لا المؤقتة، ولن يكون ذلك إلا عبر حوار صادق للأديان والمذاهب تشترك فيه الدول والشعوب.