سرت أ ف ب خلف سورٍ إسمنتي يحميه من قنَّاصة «داعش» في سرت؛ يعبِّر محمد الأحجل ومقاتلون موالون لحكومة الوفاق الليبية عن حماستهم للضربات الأمريكية الأخيرة. لكن رأياً آخر يقول إن المقاتلين على الأرض هم من سيأتون بالنصر على التنظيم الإرهابي. واعتبر الأحجل، الذي يرتدي سترة عسكرية واقية من الرصاص ويعتمر قبعةً لرعاة البقر بنية اللون، أن «التدخل الأمريكي كان جيداً جداً»، إذ استهدفت الضربات مواقع حساسة للإرهابيين. وقال «نتمنى أن تتكثف الضربات في الأيام المقبلة حتى نتمكن من تحقيق التقدم الميداني الذي نتطلع إليه». وفي باحة منزلٍ مهجورٍ يبعُد أقلَّ من 250 متراً عن أقرب نقطة لـ «داعش»؛ يستريح حوالي 10 مقاتلين من سريَّة «صقور مصراتة»، على أن يعودوا إلى الجبهة عندما تنتهي فترة خدمة زملاءٍ لهم. ويُمكِن رؤيةُ آثار رصاصٍ في جدران المنزل الخارجية وآثار قذيفةٍ هدمت جزءاً صغيراً منه. ويقف خالد الغوش بين مجموعةٍ من زملائه خلف سورٍ إسمنتي آخر كُتِبَت عليه عبارة «الله أكبر». ويؤكد الغوش «المعنويات ارتفعت خصوصاً بعد القصف الأخير لأصدقائنا الأمريكيين، كانت ضربات ممتازة»، مشدِّداً «في المستقبل؛ إن زادت هذه الضربات فلن يتأخر النصر». شاطئ وسواتر وبدأت الولايات المتحدة الإثنين الماضي تنفيذ ضربات جوية ضد مواقع وآلياتٍ لـ «داعش» في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، بطلبٍ من حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة. وجاءت الضربات لتساند القوات الحكومية في عمليتها العسكرية الهادفة إلى استعادة المدينة. وقُتِلَ في العملية، منذ انطلقت في مايو الماضي تحت اسم «البنيان المرصوص»، أكثر من 300 من مقاتلي هذه القوات المؤلَّفة من جماعات مسلحة ووحدات من الجيش المفكَّك. وتستعين الحكومة بسيارات رباعية الدفع محمَّلة بأسلحة رشاشة ومضادة للطائرات فضلاً عن عددٍ محدودٍ من الدبابات؛ لخوض حرب شوارع في مواجهة التنظيم الإرهابي الذي يعتمد على القناصة والسيارات المفخخة وألغامٍ زرعها بين المنازل. واعتبر المتحدث باسم عملية «البنيان المرصوص»، العميد محمد الغصري، أن أعداد قتلى القوات الموالية لحكومة الوفاق «كبيرة جداً جداً»، موضِّحاً «طلبنا المساعدة الأمريكية لتخفيف الأضرار». وتحدث الغصري عن «أكثر من 100 مقاتل بأطراف مبتورة، وحالات موت سريري عديدة وجرحى في حالات خطيرة» نتيجة المعارك والتقدم بين المنازل المفخخة. وعلى الشاطئ في غرب المدينة؛ يجلس مقاتلٌ مرتدياً بزَّته العسكرية قبالة البحر بالقرب من نقطة مراقبةٍ صغيرةٍ. وتتألف النقطة من سجادة تتكئ على عصي خشبية فيما يشكل خيمة صغيرة، إلى جانب سواتر ترابية ومجموعة من الفرش الملونة. وتحت السجادة البنية؛ يحتمي مقاتلان آخران من الشمس الحارقة وقربهما علب من سمك التونة، فيما يحمل أحدهما منظاراً زيتي اللون يستخدمه بين وقت وآخر، أما الآخر فيحمل رشاشاً. ولم تتمكن وكالة «فرانس برس» من الوصول إلى الخطوط الأمامية للجبهة. لكن الأحياء التي تسيطر عليها قوات الوفاق الوطني والخالية من السكان كانت تشهد الأربعاء هدوءاً. ورغم الهدوء الذي يأتي بعد معارك عنيفة؛ يلتزم المقاتلون الحذر ويحاولون الاحتماء من رصاص القنص في الأماكن التي يعتبرونها مكشوفة. ويرى المقاتل عبدالرحمن القط أن الغارات الأمريكية ستساعد على إعطاء زخم جديد للعملية العسكرية. ويقول «كل يوم أفضل من الذي قبله، ما شاء الله! الطائرات الأمريكية دخلت الأجواء وساعدتنا في ضرب بعض المواقع، هذا كله بفضل الله وبفضل قادتنا، كنا ننتظرها، ونحن متأكدون أنها ستكون سنداً لنا». «دمُك حياةٌ لغيرك» وعند مدخل سرت الغربي؛ أقامت «البنيان المرصوص» مستشفى ميدانياً يستقبل الجرحى ويقدِّم لهم الإسعافات قبل نقلهم إلى المستشفى في مدينة مصراتة التي تعدُّ مركز قيادة العملية العسكرية. وينشر المستشفى الميداني، على صفحته في موقع «فيسبوك»، أسماء وصور جرحى وقتلى القوات الحكومية. كما يروِّج لحملة تطالب المقاتلين بارتداء الخوذات والسترات الواقية من الرصاص. وكتبت صفحة المستشفى تحت صورة لسترة وخوذة «نظراً لما يحصُل من إصابات مباشرة في الرأس والصدر والبطن () ساهِم معنا في توعية مقاتلينا حول ارتداء الخوذة وواقي الرصاص». في موازاة هذه الحملة؛ تروِّج الصفحة لحملة أخرى تطالب المواطنين بالتبرع بالدم لصالح جرحى القوات تحت شعار «دمُك حياة لغيرك.. تبرع بالدم لخدمة أبناء وطنك الغالي». وفي العاصمة طرابلس؛ تنتشر على الطرق الرئيسة لوحات إعلانية ضخمة تدعو إلى التبرع بالمال لصالح المقاتلين تحت عنوان «حملة جاهِد لمحاربة التطرف والإرهاب: زكاتك جهادٌ في سبيل الله لدحر الخوارج البغاة». في هذا الوقت بمصراتة، تبدو المعنويات إلى ارتفاع. ويقول عضو في المجلس البلدي لسرت، فضَّل عدم الكشف عن اسمه، إن «الضربات الأمريكية ستسرِّع العملية، لكن المقاتلين على الأرض هم من سيأتون بالنصر». ويلاحظ العضو أن «جثث عناصر تنظيم داعش باتت تنتشر في الطرق، وكذلك القمامة ومخلفات الحرب»، مبيِّناً «نحن ننتظر بفارغ الصبر حتى نعود إلى المدينة وننظِّفها من كل ذلك».