قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } الأنبياء 30، فالماء أساس هذه الحياة وعصبه، سخره الله سبحانه لجميع الخلق كافة، وأما الإنسان فالماء مكون أساسي في جسمه، فثلث الجسم ماء، ويحتاج لشربه يومياً بأكثر من لترين، لتجديد النشاط، وإزالة السموم والأملاح، أما إذا قلَّ منسوب المياه في جسمه فإنه يؤدي إلى الجفاف، وزيادة الأملاح، ويسبب ذلك عجزاً كلوياً. وورد ذكر الماء في القرآن الكريم في تسع وخمسين آية, من المياه النازلة ومن السماء أو الخارجة من الأرض أو المختزنة فيها, يقول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} الزمر 21. فلولا الماء لما كان في هذه الحياة إنسان وما عاش الحيوان وما نبتت الزروع والأشجار, فمنه تشرب ومنه يخرج المرعى, وبه تكسى الأرض بساطاً أخضرَ، وتكون للناظر أحلى وأجمل, يقول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} النحل 10-11. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفَّه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا قال في كل ذات كبد رطبة أجر، وعكس هذا الحديث ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. وما لاحظناه خلال هذه الأيام من شدة الحر، وما تأثرت به الحيوانات الضارية والطيور الجارحة من الجفاف، وما شاهدناه في مواقع التواصل الاجتماعي بأنها تقترب من الإنسان حتى تجد ما يسد شدة العطش عندها. وفي حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم من سقى مسلماً شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلماً شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها. فبحمد الله مصادر المياه كثيرة (البحار، والينابيع، والأنهار، والأمطار، والآبار) ولها فضل بعد الله يستحق وجوب المحافظة عليها، فالبلاد التي بلا ماء تهجر، ولا تسكن. وكما أن الماء نعمة من الله فإن الناس شركاء فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الناس شركاء في ثلاث:الماء والكلأ والنار. فلا يجوز تلويثه، فقد نُهي عن التبول في الماء الراكد، ولا يجوز التعذيب بالحرمان من الماء. فويل لمن يعذب بالماء في الحروب، ويستخدمها سلاحاً ضد المدنيين ويقطع السبل عنهم، فعليه من الله ما يستحق، كما هو الحال في البلدان العربية المجاورة (العراق، وسوريا، واليمن) نسأل الله أن يصلح حال المسلمين وأن يرد كيد الظالمين. فهذه النعمة تستحق الشكر وعدم الإسراف، وإذا أردت أن تعرف قيمة الماء، فانظر إلى الملك الذي قال للعالم: عظني، فقال له العالم: أيها الملك، أرأيت إن منعت الماء، أتشتريه بنصف ملكك؟ فقال له: نعم، قال: أرأيت إن حبسته أتفتدي نفسك بنصف ملكك؟ قال: نعم، قال له: فلا خير في ملك لا يساوي كأس ماء. فلا تنسَ قدر هذه النعمة؛ لأن دوام الحال من المحال، يقول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} الملك 30، ويقول سبحانه:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } الواقعة 68-70. فالتصدق بسقي الماء، هو من أفضل الأعمال وأعظم القربات إلى الله، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما، أي الصدقة أفضل فقال: الماء. وروى أبو داود أن سعداً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيا بنعمة الله يعظمها ويشكرها, وما أكثر الدعوات التي كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يفرغ من طعامه إذا طعم وشرابه إذا شرب, فكان إذا فرغ من طعامه وشرابه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين. فلنتق الله ونخافه في السر والعلن ونشكره على نعمة الماء ولا يقتصر باللسان بل يتعدى الشكر بحسن التصرف بدون إسراف لهذه النعمة يقول سبحانه:{وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف 31. فما أعظمها من نعمة تستحق شكر الله عليها بقلب خاشع طائع.